مقالات

ناتاشيا والماخور !!

(1)
” ناتاشيا ” فاتنة روسية ذات أصول من القوقاز ، بيضاء كالحليب ، طويلة كليلة فقير مدقع ، وجميلة كالجمال نفسه .
(2)
ناتاشيا تبحث عن عمل لتعيل اسرتها ، ولأن السيد غورباتشوف فتح على بلاده نافذة البيروسترويكا الباردة ومضى لينعم بالدفء في بيته فان فرص العمل تكاد تكون معدومة لكن إعلاناً عابراً يستوقف البنت ذات الضفائر الحريرية المتوهجة بلون الذهب .
(3)
” فرصة عمل ” ، يقول الإعلان المعلق على باب ماخور .. ” مطلوب عارضات أزياء أو نادلات للخدمة في المطاعم أو موظفات استقبال في الفنادق ” .. تبتهج ناتاشيا وتمضى أكثر في قراءة الإعلان ، ” المكان ، إسرائيل ، الشرق الأوسط ، حيث الطبيعة مغرية والجو دافئ ، والشمس تشرق طول العام ” .
(4)
” فُرجت ” .. تهمس الجميلة لشعرها المتطاير مع نسمة هواء عابرة ، وتذهب إلى العنوان المدون على الورقة المعلقة على باب ماخور ، وتلتقي بالمئات غيرها ، ويتحول المكتب الحقير المتسخ ببقايا أوراق اليانصيب وزجاجات البيرة الفارغة وفضلات البيتزا المرمية هنا وهناك ، يتحول في غمضة عين إلى مجمع للحوريات الفاتنات اللواتي يوقعن على الفور على شيكات وسندات مالية وتعهدات بسداد قيمة تذاكر السفر ورسوم التأشيرة ، لتجد نفسها بعد أسبوع واحد فقط في ” أرض الميعاد ” .
(5)
هناك تبدأ القصة ، أو بمعنى آخر تنتهي ، لأن ناتاشيا الجميلة التي قرأت ذات يوم اعلاناً مغرياً يدعوها للعمل في إسرائيل كموظفة استقبال تجد نفسها فجأة وقد صودر منها جواز سفرها وأُجبرت على عمل لم يكن يخطر لها ببال ، إنها تعمل الآن كفتاة ليل في إحدى مواخير ” أرض الميعاد ” .. ألم تقرأ الإعلان المشؤوم على باب ماخور ؟؟!
(6)
إنها تجبر الآن على ممارسة الدعارة والترفيه عن ” جنود الرب ” المنشغلين طيلة النهار بالجري وراء أطفال المخيمات ، ومن مكانها الجديد على سرير احدهم تسمع ناتاشيا ابنة القوقاز ، قصصاً لا تُصدق عن قنابل الغاز ، وخارطة الطريق ، وغزة ، والاستشهاد والعبوات الناسفة ، وحائط المبكى ، والجدار العازل ،والرصاص المطاطي ، وتشعر ناتاشيا بالاختناق ، وتحس وكأن جداراً عازلاً يفصلها عن ما حولها ، وترجع بذاكرتها إلى الوراء مسترجعة ما كُتب على باب الماخور عن ” الطبيعة المغرية والجو الدافئ ، والشمس التي تشرق طول العام ” .
(7)
وترفض ناتشيا أن تكون مومساً ، لكن مافيا الرقيق الأبيض لا تفرط في ممتلكاتها لأن ناتاشيا وببساطة تدر على هذه المافيا عائدات تصل إلى ألف دولار يومياً مقابل إسعاد وتلبية رغبات أكثر من عشرين رجلاً في اليوم ، وبعملية حسابية بسيطة نجد ان ناتاشيا ورفيقاتها يمثلن العمود الفقري لاقتصاد منظـومة الرقيـق الأبيض التـي تتكفـل بإمــداد ” أرض الميعاد ” بمئات الآلاف من ” ناتاشيا ” اللواتي يُذبحن تحت أقدام ” النموذج الديمقراطي الآمن ” كما تروج له دعاية الغرب الآن .
(8)
تسألون عن ” ناتاشيا ” ؟ ، لقد حاولت الهرب ، لكن مدير الماخور قبض عليها متسلحاً بقوة ” قانون حقوق الإنسان ” وحلق شعرها الطويل ثم باعها كأي عبد لماخور آخر بمبلغ تجاوز الخمسة عشر ألف دولار ، بعد أن حولها إلى مدمنة على الحبوب المهدئة ثم عرفها على كل مخدرات ” العالم الجديد ” .
(9)
هذه باختصار حكاية مؤسفة عن تجارة الرقيق في اسرائيل ، تقوم مارتينا فاندبيرج الناشطة في حقوق الإنسان ببحث عنها بتمويل من جامعة كولومبيا ، فيما تقبع هناك ، وعلى باب ماخور في أرض الميعاد بائعة هوى ، بيضاء كالحليب ، طويلة كليلة فقير مدقع ، وجميلة كالجمال نفسه . كل ذنبها انها قرأت ذات يوم على باب ماخور اعلاناً عن فرصة عمل ، هناك ، في اسرائيل ، حيث الطبيعة مغرية والجو دافئ ، والشمس تشرق طول العام ” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق