غير مصنفمقالات

نكرة إلكترونية!

بقلم: فاطمه الزهراء عبد السلام

اتسائل ماذا لو كان ديكارت بيننا اليوم ، يشهد ما نُعايشه من أزماتٍ لإثبات الوجود على منصات التواصل الاجتماعي ، هل يا تُرى كان ليحدّث مقولته الشهيرة لـ :”أنا أنشر إذاً أنا موجود “

نعم فقد أتحول اليوم لنكرةٍ إلكترونية لو لم أواكب ركب المشاركة والإنتاج الإبداعي!

أليس هذا شعوراً حقيقياً ينتابنا من حين لآخر؟ هذا الشعور الواهي بحتمية ، وجدية ، وإلزامية نشر الأفكار، والإنجازات ، والمواعظ ، والاقتباسات..إلخ.

تغريدة هُنا ، وصورةٌ هناك.. وأعينٌ تواقة لرنّة الإشعارات التي تُخبرك بوصول ذاك القلب الأحمر الصغير المتوهج ، أو بارتفاع إبهامٍ أزرق آخر لك.. ومع كُلٍ تسجيل بالإعجاب يمتلئ مخزون الرضى الذاتي عندك.

كيف لا ونحن الذين نستفتح الصباح بتفقد هواتفنا ، وكم من مرةٍ تملكتنا نوباتُ هلعٍ مُفزعة حين نستيقظ ولا نجده بجانبنا ، نوباتٌ تشبه تلك التي تصيب الأمهات حديثات الولادة حال اختفاء أطفالهن!

كيف لا ؟ ولنا أصابع لا تتعب من سحب الشاشة ، تارةً للأعلى ، وتارةً للأسفل في محاولة جادةٍ لركب موجة الأحداث التي لا تكل ولا تمل من التجدد!

كيف لا ونحن مأخوذون بسحر الزيف الجميل ، والوهم الحُلو الذي يتم من خلال إسقاط الوهج على النُسخ المعدلة من الصور ، والجوانب المُبهجة من الأحداث، والإنجازات.. المصحوبة بإقصاءٍ وتكتمٍ شديدين لكل ما يحدث في الكواليس، وهو ما يُولّد في دواخلنا شعوراً لا يكادُ يُحتمل بالنقص إزاء المقارنة التي تحدث على نحو لا شعوريّ ، وغير واعيٍ.

وهذا ما يضعنا بالطبع بين احتمالين إثنين في الصدارة ، مع وجود احتمالٍ ثالثٍ لا نطرق أبوابه إلا متأخراً..

فإما أن يدفع بنا لافتعال مشاعرٍ وأحداثٍ واهية بغية التواجد على ذات المسار الذي بات الانسياق له شبه جبري!

أو أن يدفعنا نحو هاوية الكآبة محملين بالسُخط على حياتنا الخالية من المرح والسفريّات ، مكبلين بشعور الدونية وانعدام الجدوى بالمقارنة بكل تلك الشخصيات المُنجزة الباهرة!

فوق كُل هذا ، نحن محملون اليوم بخوفٍ يملأ رؤوسنا بكل الاحتمالات الحزينة لأن “نُنسى” فنجد أنفسنا في خضم هذا كُله نفكر بأصواتٍ قلقةٍ غير مسموعة: “لو ما نشرتش اليوم زعما ينسوني؟”

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق