مقالات

أصوات الدم

بقلم : محمد الأصفر

قالت لي الديمقراطية ، هناك أخطاء تحدث لديكم ، نعم لا يوجد تزوير في الانتخابات ، ونعم نتيجة الانتخابات صحيحة ، ومن تحصل على أصوات أكثر فاز ، لكن لدي بعض الأسئلة ، كيف تم حساب الأصوات ، هل صوت فرد من مدينة ، فقدت عشرات الآلاف من شبابها ورجالها في الحرب ، ساوى صوت فرد من مدينة عاشت في دعة وأمان وتناسلت براحتها حتى صارت ذات كثافة سكانية ترجح كفتها ، هل الورقة الانتخابية التي يضعها الناخب في الصندوق ، تساوي قطرة الدم التي دفعها الشاب ، لنقل الحياة من حقبة الديكتاتورية ، إلى حقبة الديمقراطية ، ماذا ستشعر أنت الذي ضحى بحياته ، عندما يفوز عليك آخر من مدينة أخرى لم تقدم أي شيء لجعل الوطن ديمقراطيا ، كيف سنعالج المشكلة ، بعد أن أمست مدن القتال أقلية ، ومدن الراحة والسلام أغلبية ، عندما تثار هذه المشكلة مستقبلا ، وسيحدث الأمر بالفعل ، سيقول لك الفائز من تلك المدن الوادعة ، لقد أتى بي الصندوق ، ها هي الأصوات ولنعدها من جديد ، فلنجلب مراقبين دوليين إن أحببتم ، وبالطبع إن حدث العد سيفوز ، لأن رجال المدن المقاتلة ، أغلبهم تحت التراب ، وإذن ما الحل ، هل نستسلم للعبة الرقم ، أم نقترح بعض الحلول ، مثلا ، هل يمكننا أن نحسب الصوت في المدن المقاتلة بصوتين ، وأن نحسب صوت الجريح المبتور مثلا بعدد ما بترت منه من أطراف ، غير صوته الأساسي كمواطن ، حتى تعتدل الكفة قليلا ، ليس كل الزمن ، على الأقل لعشر سنوات أو خمسة عشر ، حتى تتمكن الحياة من ردم هوّة الديموغرافيا الناتجة عن الحرب .
حقيقة الدم هو من جلب لنا وعيشنا لحظة الحرية هذه ، كان بإمكان دماء المدن الوادعة أن تفعل ذلك أيضا ، لكنها لم تنصر المدن التي قاتلت ، أو تشاركها حزنها على قتلاها نتيجة التفجيرات الإرهابية مثلا ، وظللت تلعب دور المتفرج ، تنعم بالراحة ، تقيم المهرجانات الترفيهية ، ترقص تزمر تغني ، تمارس الجنس ، تنجب الأطفال ، تقيم حفلات الختان وأعياد الميلاد ، دون مراعاة لشعور أطفال يتموا ونساء ترملت ، وأمهات سحقهن القهر .
تقول الديمقراطية ، أنا لست رقما وحسب ، إنا روح أيضا ، أتألم كثيرا الآن ، صه صه سكر فمك ، ها هو صوته يتقدم عليك ، لديه أصوات حاضرة فوق التراب ، وأنت الأصوات المفترض أن تصوت لك ، أغلبها غائبة تحت بند : اللي ينفعوا يا بو رفيق ارحلوا .. أخذتهم الموت وفي القبور نزلوا .
قالت الديمقراطية ، شيء مؤلم حقا ، ها هي الأصوات تفرز ، ها هو صاحب المدينة الآمنة يتقدم عليك ، ها هو يصير رئيسك وقائدك ومديرك ، وربما – إن ليس لديك قليل من عزة النفس – ، ولي نعمتك وعرفك كما نعبر شعبيا .
قالت الديمقراطية ، عفوا اسمح لي أن أضحك ، هل رأيت من قبل ديمقراطية تضحك ، ها هو الذي فاز عليك يتشدق في التلفاز ، يقول أنا شرعي ، جئت عبر الصندوق ، أنا دستوري ، لا تلتفوا ولا تتآمروا علي ، لا تخونوا الوطن ، لدي حصانة ، سأخاطب الأمم المتحدة ، والاتحاد الأوروبي ، وحلف الأطلسي ، سأقاضيكم في محكمة الجنايات الدولية ، انتم إرهابيين ، خونة ، عملاء ، أنا فزت ، كل مدينتي منحتني أصواتها ، كل أصواتي حيّة ترزق ، ولها أرقام وطنية ، وتنكح في مرتبات من البنك المركزي ، وستدافع عني ضدك يا انقلابي ، أول مرّة اسمع أن هناك أصوات دم ، أصوات موتى لابد أن تحسب لك ، ريت باللهِ !.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق