
تحوُّلات… قصة قصيرة للكاتب أحمد يوسف عقيلة
تحوُّلات… قصة قصيرة بقلم: أحمد يوسف عقيلة
1
… ذات مساء شَرّفَنا سيادة الوزير بزيارة مفاجئة.. حتى أنَّ المسؤولين في مدينتنا لم يأخذوا بذلك خبراً.. ليقوموا بتنظيف الشوارع والميادين الرئيسة.. لكن حتى لو علموا مُسْبَقاً.. وقاموا بالتنظيف المعتاد قبل كل زيارة.. فإنَّ ذلك لم يكن ليُجدي نفعاً.. لأنَّ سيادته هذه المرَّة ـــ وعلى غير العادة ـــ دخل حارتنا التي تقع في طرَف المدينة.. وحيث إنَّ أَزقَّتنا كانت بطبيعة الحال أضيق من أن تستوعِب سيارة الوزير العريضة.. فقد ترجَّل سيادته.. أخذ يخطو بحذَر.. حاشيته يمشون مِن بين يديه ومن خلفه.
كانت مظاهر الاستقبال ـــ رغم المفاجأة ـــ كالتالي:
مذرحت الكلاب.. فهي بحسِّها الغريزي تُدرك أنَّ زيارة الوزير لحارة مَنْسِيَّة حدثٌ نادر.. قد لا يتكرَّر إلاّ مرةً واحدة في القَرْن.. تقافزت القطط هنا وهناك.. حتى الديوك اشرأبَّت بأعرافها.
هروَلَ وجهاء حارتنا فاغرين أفواههم.. أخذوا ينهرون الكلاب.. ويقتضينا الإنصاف أن نقول إنَّ زجرهم للكلاب لم يكن خوفاً على سيادة الوزير.. بقدر ما كان غيْرةً من الكلاب التي أسرفت في المذْرَحة.. بحيث سرقت الأضواء.
لكن.. حدث ما لم يكن في الحُسيان..
2
… انزلقت رِجل الوزير.. الذي لم يكن مُعتاداً على السير في الأَزقَّة الحجرية.. والبِرَك والمطبّات.. تدحرج.. أو تدحرجت سيادته.. و.. شَرِب من البِرْكة السوداء المتخَمِّرة! وسط ذهول الجميع.. بما في ذلك الكلاب.. التي لم تكن تُصدِّق بأنَّ الوزير من الممكن أن يتدحرج كسائر الخَلْق.
قال مختار محلَّتنا في بادرة لإنقاذ الموقف:
ـــ يجب أن نتدحرج جميعاً حتى لا يشعر سيادته بأي حرج!
لكن.. يا للأسف.. فات الأوان.. وليت الأمر اقتصر على تعثُّر الوزير.. بل المفاجأة التي لم تكن في حُسبان أحد.. هي أنَّ (الواو) بسبب تطرُّفها.. أَعني وقوعها في الطرَف.. قد طارت بعيداً مُنْزلقةً بين الأقدام.. أخذت تصطدم بالجدران.. تقفز هنا وهناك.. حتى غابت في أحد المنعطفات وهي تلعن التطرُّف.
تحوَّل (الوزيْر) إلى (زِيْر) مُنكفئاً على وجهه وسط الزحام.
فغرت الأفواه.. اتَّسعت العيون.. تهدَّلت حتى الآذان.
3
… صرخ المختار:
ـــ الواو.. ابحثوا عن الواو.
ردَّدت الصيحات:
ـــ الواو.. واو.. واو.
لعلع صوت المختار من جديد فوق الصخب:
ـــ أين الكلاب لتقتفي أثر الواو؟
ـــ الكلاب لا تعرف القراءة.. كلابنا أُميّة يا مختار.
ـــ عليكم اللعنة يا حُثالة.. كيف نرفع رؤوسنا أمام الحكومة بعد اليوم.. وقد تحوَّل الوزير عندنا إلى زِير.. يا لَلعار!
4
… لم يُسفِر البحث عن شيء.. بدأ الظلام يُخيِّم على الحارة.
قال المختار في حَرَج:
ـــ يجب أن نحمل.. أن نحمل هذا.. الـــ..زِير.. إلى السيارة.. لكن حاذروا.. على مهلكم.. انتبهوا.
صرخ أحدهم:
ـــ سقطت (الياء) يا مختار.
ـــ عليكم اللعنة.. أتعجزون عن حمل زِير؟ إنكم لا تصلحون لشيءٍ أبداً.
من خلال الضحكات المكتومة والهمسات.. سُمِعت كلمة (زِرّ) تتردَّد.
قال أحد الشيوخ:
ـــ ضاعت (الواو).. وسقطت (الياء) يا مختار.. فما رأيك في أن نقلِب الباقي رأساً على عَقِب؟
ـــ يا لَك من نَهِم.. لا تُفكِّر أبداً إلاّ ببطنك.
ـــ ليس هناك من يكره الرزّ على كل حال.. لا بأس.. إذا تحوَّل الوزير إلى رزّ في نهاية المطاف فهذا في صالح الأُمة.. أليس من مهام الوزير أن يوفِّر الرزّ؟ لكنَّ ما يُذهلني حقّاً هو أنني لم أكن أتصوَّر أنّ سيادة الوزير من الممكن أن يُخبِّئ كل هذه الأشياء.
بصق المختار بقرف:
ـــ حُثالة!
(1996)