في ذكرى اغتيال المناضل مفتاح بوزيد
مفتاح يا صديقي ، أنت ميت ، لقد شيعوك إلى قبرٍ أمام عيون وطن جميل وحنون لكن لا وجود له ، لم نكن نعلم ونحن نعيش ضجيج الصداقة ونطرد الألم كذبابة بعيدا عن طعم الحياة أن التوق المحموم لوطن لا نشعر فيه بالمرارة غاية كافية للحياة ، لم نكن نعلم يا صديقي ونحن نختار ألّا نكون سِلالا خاوية أن ذلك يعني أن تكون فقرة كبيرة ، أو فصلا كاملا ، أو اسماً منقوشا بحروف كبيرة في كتاب تاريخ عن وطن تأتي أنت يا مفتاح لتراه و لا يسلم عليك ، لأن يده لم تعد تزهر ، لأنه ضم رجليه وضم يديه على ركبتيه خائفا ألّا يتقن القيام بمهمته كوطن ، آخر صورة حزينة التقطت لك كان الوطن يجلس بجانبك ينزف ورائحته لا تحتمل ، كانت حياتنا يا صديقي قبل الثورة فيها الكثير من الحزن العاقر ، لكن الريح لم تتوقف عن هز الأشجار ، كانت نسائم البحر تأتي بحلم يقظة جميل فيه وطن بسماء تامة تنظر إلينا نجومها بعين تمتلئ دفئاً و إنسانية ، لكن يا صديقي في الحلم الكبير تنمو الأخطاء الكبيرة ، الحلم الكبير ثقيل السمع ويتكلم بصوت مرتفع ، كنت أنظر إليك و أقول متى يضع هذا الطفل الجميل الذي يعيش فيه جانبا؛ لأن الحياة بالكاد مفهومة ، و الدموع فيها تسقط من ثقوب الجيب قبل العين ، أعلم أنك حتى و أنت في قبرك مازلت وطنيا ، و أنك تريد ليبيا أن تظل بجانبك ، أعلم أن ليبيا بجانبك لن تكون شاحبة الوجه أو حزينة لأنها هنا لا قادرة على الحب ولا تعرف التسامح ، اكتشفنا يا صديقي أنه من السهل هدم وطن ، لكن من الصعب جدا الاهتمام به ، اكتشفنا يا صديقي أننا في الوقت الذي لا نستطيع قول كلمة سيئة عن الوطن ، ينطق هو بكلمات قادرة على تحطيمنا بلا شفقة ، وداعا يا مفتاح ، وداعا يا جلال اليأس ، يا من كتب دمك على أديم هذه الأرض : كيف لا نبكي على وطن يعبث بنا و في عيونه ينام شهداء قالوا لا حاجة بنا إلى اليقظة ، كل ما نحن بحاجة إليه هو ليبيا .