المعلمون … ظروف صعبة وخيارات أصعب
أثبتت الشواهد التاريخية أن الأمم التي تقدمت وازدهرت هي تلك التي راهنت على الإنسان المواطن ، فكان أن نجحت رغم فقر الموارد المادية وقلة المصادر الطبيعية ، غير أن الرهان على الإنسان ما كان ليُترك هكذا تسيره المصادفات بل اعتمد على نظامٍ تعليمي مُحكم وتدريب عملي فعال .
ولا يمكن أن يختلف اثنان على أن أساس العملية التعليمية هو المعلم الذي لولاه لما أمكن لكل العوامل الأخرى مهما تميّزت أن تحقق الغايات وتصل إلى الأهداف .
من هنا فإن رهاننا في المرحلة القادمة وبعد أن نطوي بإذن الله سريعا هذه الصفحات السوداء من تاريخ بلادنا لا بد وأن يكون على الإنسان المواطن ، وهذا معناه وبالضرورة أن ننظر بعين الاعتبار والتقدير والدعم للمعلم الذي هو أساس هذا الرهان .
أمّا أن نترك المعلم كما جرى العمل خلال العقود الأربعة العجاف الماضية في خانة أدنى السلم الاجتماعي ، ونترك مهنة التعليم في أدنى التوصيف المهني فهذا أبدا لا يستقيم ولا يتطابق مع آمالنا وتطلعاتنا المستقبلية .
ويعلم الجميع أنه رغم النظرة المتدنية من قبل المجتمع والمسؤولين ، ورغم الظروف المعيشية الصعبة التي عاناها ويعانيها المعلمون فإنهم كانوا دائما وما زالوا هم جنود كل مرحلة تتطلب عملا وتحتاج بذلا وعطاءً .
الآن وقد تجددت آمال وطموحات المعلم في تحقق ظروفٍ أفضل وبناء مستقبلٍ أجمل لبلادنا ليبيا فإنه بداية يتطلع بقوة إلى أن تتحقق له ظروفا معيشية أفضل وإعدادٍ مهني أقوَم .
لهذا فإن المعلمين وجدوا أنفسهم أمام خياراتٍ صعبة توجب قرارات ومواقف مؤلمة ، وهذه المواقف تنطلق من أسئلةٍ واضحة ومشروعة .
- لماذا يبقى مرتب المعلم هو الأدنى بالقياس إلى تأهيله العلمي وأدائه المهني وعطائه الطويل .ودون أن ننسى أولئك الذين ظلموا تحت صفة متقاعدين فصاروا يتقاضون معاشا أساسيا لا يسد رمقا.
- لماذا بقيت كل القرارات والتصريحات التي انصبت جميعها على معالجة هذا الوضع الوظيفي دون تطبيق .
- لماذا يحرم المعلم من مزايا وظيفية ينالها آخرون لا يدانوه تحصيلا أو عطاء أو مشوارا وظيفيا طويلا وهذه المزايا يأتي في مقدمها التأمين الصحي للمعلم وأسرته ومكافئات نهاية الخدمة . ناهيك عن مزايا أخرى ينالها غير المعلمين .
كل هذا وغيره كثير صارت همسات المعلمين وتصريحاتهم تدور حول ضرورة اتخاذ مواقف جادة تنبه متخذي القرار إلى ضرورة تعديل وتحسين أوضاع هذه الفئة من المواطنين .
يدور الكلام حول ضرورة القيام بإضرابٍ عن التدريس يرقى إلى مرتبة العصيان المدني وأن يكون ذلك مع بداية عطلة نصف العام الدراسي في شهر فبراير القادم . ورأى آخرون أن الإضراب لا يجب أن يكون عن التدريس بل يكون بالامتناع عن تصحيح الامتحانات واستخراج النتائج ، وذلك حتى لا يجد المعلمون أنفسهم تحت سوط ولوم أولياء الأمور ، وحتى يجد المسؤولون متخذو القرار متسعا من الوقت لعمل اللازم تجاه هذا الوضع .
وأيّا كانت الخيارات فإنه لا بد من استجابة .
ولا بد لنقابات المعلمين أن تلتقط الكرة لتركض بها مسافاتٍ أبعد تحقق للمعلمين أهدافاً يستحقونها