
رسالةٌ من سطح القمر.. قصة قصيرة للكاتب أحمد بشير العيلة
قصة قصيرة
رسالةٌ من سطح القمر
بقلم : أحمد بشير العيلة
كنت مع أرمسترونع حينما وضع قدمه على سطح القمر، أو هكذا خيّل لي، وكنتُ واضعاً لاقط الصوت على فمي داخل بدلتي الفضائية الثقيلة، ومستعداً لإلقاء كلمة إلى الإنسانية، إلا أني فوجئت أن المحطة الأرضية في مركز كينيدي للفضاء أقفلت الصوت عليّ وأعطته لأرمسترونج الذي قال:
“خطوة صغيرة لإنسان، ولكنها قفزة كبيرة للبشرية”، نفس الجملة التي كنتُ سأقولها، لكني كنتُ سأرتجل عليها عبارة تستنكر احتلال الصهاينة لفلسطين، كفرصة ذهبية تسنح لأي فلسطيني أن ينادي البشرية من أعلى، ويوقظهم أن هناك وطناً ضاع، نظرتُ إلى أرمسترونج نظرة مغتاظ، لم يأبه بي، مشى قفزاً، طبعاً بفعل خفة الوزن على القمر، وكانت الأوامر أن يمشي بمعيتي نجمع الأحجار والغبار وكلمات العشاق التي تغنت بالقمر وماتت على سطحه، لكن إضاعة الفرصة الذهبية حطمني صراحة.
انطلق أرمسترونج هو وصاحبه ألدرين، الذي هبط إليه بعد 20 دقيقة من المركبة القمرية (إيجل)، وجلستُ أنا محبطاً على صخرةٍ قمرية، كنتُ متخيلاً وأنا أعلى الكون، والأرض ككرة زرقاء تحتي؛ أن البشرية ستتأجج رفضاً لاحتلال فلسطين، وأن الكيان الصهيوني سوف ينمحي، فالرسالة (العلوية) مني إلى الإنسانية أتت في لحظة مشاعر جياشة وتاريخية وحتماً ستكون مؤثرة للغاية، نظرتُ إلى الأرض يائساً، بعد قتل رسالتي قبل أن تولد، وألتفتُّ إلى سطح القمر ممعناً النظر فيه، فالغبار الرمادي كان من رماد قلوب ملايين من البشر أرهقها الحب، أو هكذا خُيِّل لي، أو قلوب من فقدوا أحبتهم في أوطانٍ ضاعت قبل وطني، آهٍ يا وطني، ضاعت فرصة تاريخية لتحريرك، كيف لا تضيع، والمؤسسات الأمريكية كلها متصهينة، لكني أصريت أن أكون في طاقم الهبوط، والتصقت على مركبة أبوللو 11 كملصقٍ لحنظلة الفلسطيني الذي لم يكن قد ولد بعد، إلا أني وجدت نفسي أرسمه على صاروخ الإطلاق، واقتبسه مني ناجي العلي فيما بعد، المهم ضاعت الرسالة وقطعوا الإرسال بيني وبين المحطة الأرضية، ولما تعبت من اليأس، وأردت النهوض من فوق الصخرة القمرية، لم أجد رَجُلَيّ الفضاء اللذين كانا معي، ولم أجد المركبة (إيجل) .. يا إلهي، لقد رحلوا وتركوني على سطح القمر، بعد أسابيع، مت من الجوع والعطش، وبعد أشهر، تحول جسدي بأكمله إلى غبارٍ قمري، وليس قلبي فقط كما حدث مع غيري.
أحمد بشير العيلة
9/11/2018