” أبو حَبيبة ” .. حكاية إرهابي دموي عاد إلى ليبيا من العراق و شارك في تأسيس داعش .. من هو ؟
أعلن مدير مكتب التحقيقات بمكتب النائب العام الصديق الصور قبل أسابيع عن قائمة عقوبات و قبض و مطلوبين تضم أكثر من 820 إسماً من إتباع فرع تنظيم داعش الإرهابي فى ليبيا ، فى الوقت الذي حذر فيه عدد من القانونيين و السياسيين من مغبة محاولة أي طرف تجيير هذا الملف لصالحه أو تسييسه أو إستغلال هذه القضايا للثأر و إستيفاء الحق باليد ما يعني فتح باب الإنتقام و الفوضى بينما تحاول البلاد أن تتقدم نحو تحقيق المصالحة و العدالة و هو ما أكده مكتب النائب العام عند إثارته هذه القضية .
و بحسب ما قالت صحيفة المرصد فإنها بحثت في سجلات العديدين منهم و كانت قد تناولت بعضهم فى تقارير سابقة نشرتها للرأي العام الليبي طيلة أكثر من سنة ونصف منصرمة و خاصة فيما يتعلق بمدينتي سرت و بنغازي و كذلك درنة .
إلا أن إسماً كشف عنه الصور نجح فى البقاء طيلة الفترة الماضية بعيداً عن الاضواء و ذلك منذ مغادرته بحراً الى سرت من درنة ضمن مجموعة سمح لها تنظيم ” شورى مجاهدي درنة ” بمغادرة المدينة إبان الاشتباكات التي إندلعت بينهما ليتبين و بحسب مكتب النائب العام بأنه قتل فى حرب ” البنيان المرصوص ” .
و هذا الشخص هو حسن الصالحين صالح بالعرج الشاعري من مدينة درنة المكنى ” أبوحبيبة ” و كذلك ” العور ” نسبة لخسارته عينه اليسرى نتيجة إصابة حرب فى العراق ، و قد أكد الصور بأنه كان مسؤولاً عن التسليح فى تنظيم داعش إبان سيطرته على مدينة سرت و حتى مقتله سنة 2016 .
و تشير المعلومات و وثائق أمنية من أرشيف الأجهزة الامنية بالنظام السابق وإطلعت عليها المرصد الى أن بالعرج قد غادر ليبيا سنة 2004 إلى سوريا و منها إلى العراق حيث إلتحق بتنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين بقيادة الإرهابي المقتول أبومصعب الزرقاوي و ذلك بعد إحتلال القوات الامريكية للعراق.
و بعد دخوله العراق بفترة وجيزة و تحديداً الى الانبار حيث تدرب على السلاح و تلقى دروساً عقائدية إعتقلت الحكومة العراقية بالعرج فى أطراف مدينة الموصل شهر أغسطس من العام 2008 .
رسم بياني يوضح دور بالعرج فى الدواوين المركزية لتنظيم داعش – المصدر : مكتب النائب العام
و أشارت ذات الوثائق إلى أن المخابرات الليبية فى النظام السابق حققت مع بالعرج فى سجن ” المحاجر السود ” بالعاصمة العراقية بغداد و توصلت من خلاله لخلايا جهادية نائمة داخل الاراضي الليبية ولاسيما فى مدينتي درنة و بنغازي وحاولت حينها إعادته إلى مكانه الطبيعي فى سجن أبوسليم إلا أنه رفض العودة وطلب من القوات الامريكية محاكمته فى العراق و عدم تسليمه الى ليبيا لأن هذا سيعني الموت .
و سجن بالعرج مع 25 سجيناً ليبياً قُبض عليهم فى مناطق عراقية مختلفة و حكم غالبيتهم سنتي 2008 – 2009 بأحكام تتراوح ما بين 15 إلى 25 سنة مع الأعمال الشاقة و قد ناشد جميعهم السلطات الليبية مابعد 2011 بالتدخل للإفراج عنهم كما دعو الشعب الليبي الى ممارسة ضغوط لإعادتهم الى البلاد و قد خرجت مظاهرات قادها متطرفون فى بنغازي عدة مرات خيرت الحكومة المؤقتة بين جلب هؤلاء أو إستهداف الجالية العراقية فى ليبيا !
و بعد سقوط النظام الليبي السابق أخذ عضو المجلس الانتقالي سابقاً سليمان الفورتية على عاتقه مهمة إعادة كافة السجناء الليبيين بسجون العراق و حوالي 30 دولة أخرى الى ليبيا بذريعة إكمال فترة سجنهم فيها أو بذرائع أخرى منها الصحي و الإجتماعي أو ذريعة سقوط النظام ما يعني عدم وجود مبرر لبقائهم فى السجون كونهم من المعارضين أساساً للنظام و ذلك وفقاً لتصريح أدلى به حينها لوكالة الشرق الاوسط للأنباء .
و كان فورتية الذي ترأس ما سميت بلجنة السجناء الليبيين فى الخارج التابعة لوزارة العدل يعتبر هؤلاء فى تصريحاته بأنهم سجناء سياسيين و قد تمكن بالفعل فى 1 سبتمبر 2012 من الإفراج عن 8 منهم قبل إتمامهم فترة سجنهم فى العراق كان من بينهم حسن الصالحين صالح بالعرج سعد الشاعري و ذلك بناءً على زيارات قام بها الى بغداد و على تواصله مع الحكومة المركزية هناك .
بعد عودته الى ليبيا إلتحق الإرهابي بالعرج بصفوف تنظيم سرايا راف الله السحاتي الموالية لتنظيم القاعدة فى بنغازي ثم شارك رفقة محمد الزهاوي و آخرين من بينهم مفرج عنهم من العراق فى تأسيس تنظيم أنصار الشريعة ببنغازي و درنة كما إنخرط فى صفوف كتيبة ” شهداء أبوسليم ” و هي فى مدينة درنة أيضاً و كانت نواة لما يعرف بـ ” مجلس شورى مجاهدي درنة و ضواحيها ” .
لم تكن جهود الفورتية منفردة ، فهناك عضو المجلس الإنتقالي السابق ناصر المانع عضو جماعة الاخوان المسلمين الذي كان مبعوثاً خاصاً و ترأس وفداً إلى بغداد قابل رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي للإفراج عن من يمكن الافراج عنه و إيقاف تنفيذ أحكام إعدام صدرت بحق البعض و منهم أكرم الزوي و عادل الشعلالي الذي أعدمه العراق شنقاً يوم 31 أغسطس 2016 .
كما أن عدة منظمات ” إنسانية ” نشطت فى الداخل بعد 2011 أو قبل ذلك فى الخارج من منظمات محسوبة على الجماعة الليبية المقاتلة و الإخوان المسلمين كانت قد طالبت مراراً بتحرير هؤلاء السجناء و إعادتهم إلى ليبيا لسجنهم و منها منظمتي الراية فى بريطانيا و التضامن فى سويسرا و ” الليبية الشبابية فى البيضاء بالجبل الأخضر و غيرها من المنظمات.
و فى سنة 2014 أسس بالعرج جماعة التوحيد و الجهاد التي كانت تحمل أفكاراً أكثر تطرفاً من القاعدة وأنصار الشريعة و فور الإعلان عن قيام خلافتهم المزعومة فى العراق و الشام المسماة ” داعش ” إنضم هذا الإرهابي بجماعته لتنظيم داعش و قدم بيعة فورية لخليفته المزعوم زعيم العصابة أبوبكر البغدادي و كلف بمهام إستقبال كبار قادة و مسؤولي التنظيم القادمين إلى ليبيا من العراق و سوريا عبر عدة مسالك و دول منها السودان و تركيا و تونس و غيرها .
و يقول مراقبون و قانونيون و دبلوماسيين إتصلت بهم المرصد الجمعة ، أنه ليس من الخطأ أن تعمل الدولة و منظماتها على إستعادة مواطنيها من الخارج وحفظ حياتهم و كرامتهم من سجون الخارج و لكن شرط توفر ضمانات قطعية تثبت إما تراجعهم قطعاً عن أيدولوجيتهم السابقة أو بسجنهم لإستكمال عقوبتهم وحفظ حياتهم و حياة السكان من أي مخاطر قد يشكلونها أو ما يثبت طبياً بأن وضع السجين لن يمكنه من الانخراط فى أي نشاط عدائي فى حال كان الافراج صحياً كإصابات الشلل أو فقد الأطراف أو العقل و أمراض السرطانات المتقدمة و الأمراض المعدية أو ما إلى ذلك مع الأخذ فى الإعتبار بإمكانيات الدولة الليبية من الناحية الأمنية و القضائية و اللوجستية و هي فى هذه الحالة و بتلك الفترة كانت لا تؤهلها مطلقاً للإقدام على مثل هكذا خطوات و أن البديل كان يجب أن يكون هو العمل مع سلطات بلد السجن لتحسين ظروف السجين و منع إعدامه فى حال كان محكوماً بالاعدام و متابعة سير محاكمته بنزاهة عبر السفارة و توفير دفاع له.
إن المتمعن فى خلفيات قادة داعش و سجلاتهم الامنية سيتوقف طويلاً أمام حقيقتين الأولى هي إنتماء غالبيتهم السابق لتنظيم القاعدة أو أنصار الشريعة ثم داعش و بقاء عدد أقل فى صفوف القاعدة او الانصار ، أما الثانية فهي تمكين غالبيتهم من مؤسسات أمنية و عسكرية و خدمية و بقرارات تعيين رسمية من الحكومات المتعاقبة و ذلك خلال الفترة ما بين 2011 – 2014 تمكنوا خلالها من جني أموال طائلة من خزائن الليبيين عادت إلى صدورهم كمفخخات و رصاص و دمار جلبه لهم هؤلاء بعد أن تخلص بعضهم من حبال المشانق التي كانت تلتف حول أعناقهم فى العراق مثلاً و بجهود من شخصيات قادت الدولة الليبية فى تلك الفترة ! .
فعلى سبيل المثال هناك صالح اصميدة عضو تنظيم القاعدة المختفي كذلك و الذى شغل مهام رئيس شركة الأشغال العامة فى سرت و رفض مبايعة داعش إلا أنه ساهم قبل ذلك فى دعم أنصار الشريعة عبر موقعه كمسؤول على شركة حكومية تمتعت بدعم مالي سخي من الدولة عقب الدمار الذي طال المدينة سنة 2011 ليخلع ” الانصار ” ثوب العمل الخيري و الدعوي المخادع و ينتقلو سنة 2014 الى داعش بعد وصول البيعة من العراق لسرت على يد الداعشي المعتقل حاليا فى مصراتة فوزي العياط و للقصة بقية فى تقرير نشرته المرصد يمكن الإطلاع عليه بالضغط هنا !
و كما هو الحال فى كل مايتعلق بتهم الفوضى و الارهاب التي تنفيها قطر عنها ، أبدت قناة الجزيرة القطرية إهتماماً منقطع النظير بقضية السجناء الليبيين فى العراق و نقلت تقارير سرية عنهم منذ سنة 2007 و حتى الافراج عن آخر فرد منهم و عودته الى ليببيا علماً بأن غالبيتهم إنخرط مجدداً فى أنشطة إرهابية أشد عنفاً من تنظيم القاعدة الذي جندهم فى العراق فى الوقت الذي لا تتحمل فيه عائلاتهم بكل تأكيد وزر ما يقوم به الأبناء حتى أن كثير من هذه العائلات تضررت من أبنائها و فلذات أكبادها أكثر من أي ليبي آخر .
لقد كان هناك ما يكفي من الادلة عن أن إعادة هؤلاء السجناء الى ليبيا مع إنهيار قدرة الدولة فى بسط القانون و السيطرة على السجون حتى و لو تحججت بمسألة إعادتهم لسجنهم محلياً ، فعلى سبيل المثال هناك فى الاستاذ العراقي أديسون كرخا (54 عاماً)، عضو هيئة التدريس في كلية الطب البشري بجامعة سرت الذي وجد مقتولًا داخل سيارته رمياً بالرصاص يوم 19 مارس 2014 قبل إعلان سيطرة داعش على المدينة و ذلك بعد ثلاثة اشهر من خطف الاستاذ العراقي حميد خلف حسن الساعدي في مدينة درنة يوم 23 نوفمبر 2013، بينما كان متوجهًا إلى مكان عمله في المعهد العالي على يد مسلحين اقتادوه إلى مكان مجهول ليظهر بعدها في تسجيل مصور كتبت عليه عبارة تقول إن “اختطافه جاء ردًا على إعدام ليبي يدعى عادل الزوي في العراق قبل أيام”، ثم بث شريط فيديو لجثة رجل مقتول قيل إنها للاستاذ العراقي اثر قتله من قبل خاطفيه. فهل كانت هذه الاشارات غير كافية لمن عمل على إعادتهم بأن عودتهم لن تكون مجرد نزهة فى ليبيا ؟
حديث مدير مكتب التحقيقات بمكتب النائب العام الصديق الصور أماط اللثام رسمياً و لأول مرة عن ما كانت تؤكده تقارير محلية و دولية غير رسمية عن تورط أطراف عديدة فى دعم الإرهاب و تنشأته فى ليبيا و بأموال ليبية صرفت للإرهابيين عبر قنوات بديلة موازية للدولة النظامية كالمجالس العسكرية فى بعض المناطق وقوات الدروع و غيرها من الوسائل التي أوصلت الاموال حتى لأنصار الشريعة إضافة لسطوة الارهابيين على مصارف عدة فى سرت و بنغازي و تلصصهم فى أكثر من مرة على شحنات مالية تخص فروع مصارف تجارية و وطنية كانت ترسل لهذه المصارف من المصرف المركزي فى طرابلس .
لقد أشار الصور و بكل وضوح إلى ضلوع شخصيات كانت تحكم البلاد فى دعم الارهاب و تمويله سواء بشكل مباشر أو غير مباشر و نوه إلى أن مكتبه حقق مع بعض منهم دون أن يكشف هوياتهم ، فهل ستستكمل التحقيقات ويكشف كل شيء على حقيقته لاسيما مع تضرر عشرات آلالاف الليبيين من هؤلاء و ليعرف المتضررون ما إذا كان هؤلاء المسؤولون قد تورطوا بعمد أو بغير عمد أم أن دعاوي إغلاق هذه الملفات لدواعي المصالحة الوطنية و الصالح العام و المضي قدماً نحو طي حقبة الماضي ستكون هي خيار العدالة ؟