تقرير أميركي ينتقد استراتيجية واشنطن ” قصيرة المدى ” في ليبيا و يؤكد : حفتر الأقوى في البلاد
انتقد تقرير أميركي السياسات التي تتبعها الإدارة الأميركية في ليبيا، والتي اعتبر أنها «قصيرة المدى» تعطي أولوية لمكاسب عسكرية محدودة ضد تنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة»، فوق معالجة الأسباب الجذرية لظهور المجموعات الجهادية بالمقام الأول.
وقال التقرير الذي أعده مشروع «كريتيكال ثريتس» التابع لمعهد «أميركان إنتربرايز» أيضًا إن الإدارة الأميركية أخطأت لأنها وضعت هزيمة تنظيم «داعش» هدفها الأول في ليبيا وغيره من بلدان المنطقة، مع إهمال الحاجة لتغيير الظروف التي سمحت للتنظيم بالظهور والتوسع.
وأضاف التقرير، منشور الثلاثاء، قبل الماضي أن السياسات الأميركية اقتضت أن تتعامل واشنطن مع «قوات ليبية استخدمت الدعم الأميركي بالمقابل لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة».
ورغم أن الأهداف الأميركية لمكافحة الإرهاب أضعفت «داعش» في ليبيا، لكنها أيضًا فاقمت الأزمة السياسية بالبلاد. وقال التقرير إن طرد عناصر «داعش» من سرت على يد شركاء واشنطن المحليين، فاقم الخلافات السياسية القائمة بالفعل والتي كانت السبب الرئيس في إشعال الحرب منذ البداية.
وتابع: «(داعش) يعيد تنظيم صفوفه، و(القاعدة) لها شبكة من المؤيدين، وكلاهما قادر على استغلال الخلافات السياسية الموجودة من جديد للظهور»، ولهذا شدد التقرير الأميركي على أن وجود نظام حكم قوي، وليس فقط العمليات العسكرية، ضروري للتخلص من ظروف ظهور تلك التنظيمات.
وتحدث التقرير عن اقتراحات بعض الدوائر الأميركية دعم قائد الجيش المشير خليفة حفتر، وقال إن «دعم حفتر لن يقيم نظام حكم جيدًا. لكنه مجرد اختصار مغرٍ سيضر بالنهاية المصالح الأميركية». لكنه قال إن حفتر مكون مهم في العملية السياسية والتسوية لكنه ليس الإجابة.
ودعا التقرير الإدارة الأميركية لإعادة تقويم استراتيجيتها في ليبيا لحل الصراع، وإضعاف المجموعات المسلحة الجهادية وتعزيز الاستقرار على المدى الطويل.
استراتيجية خاطئة
رأى التقرير أن الاستراتيجية الأميركية أخطأت في تعريف تهديد «الجهادية السلفية»، مما دفعها للتركيز فقط على محاربة «داعش»، دون التركيز على النطاق الكامل للتهديد «السلفي الجهادي» في ليبيا.
وقال إن التهديد الجهادي في ليبيا لا يقتصر على «داعش» فقط، بل يشمل «القاعدة» والمجموعات الموالية لها، والتي تعد التهديد الحقيقي للمصالح الأميركية.
وتابع: «(القاعدة) تتبع سياسة متعمدة للتوطين لبناء قاعدة دعم حول ليبيا والعالم الإسلامي. وتستخدم الجماعة ليبيا (جبهة) رئيسة للجهاد، ومركزًا لتدريب المجاهدين المتوجهين إلى سورية، وملاذًا آمنًا لدعم العمليات الإقليمية».
وتستمد «القاعدة» قوتها من «بناء علاقات مع المجتمعات المسلمة التي تعاني من خلافات ومظالم لم تُحل بعد، ومن سوء نظم الحكم، وهي أوضاع لا تزال موجودة داخل ليبيا».
وقال التقرير الأميركي إن التركيز على أهداف مكافحة الإرهاب فقط، حول الانتباه بعيدًا عن المصالح الحيوية التي يجب أن تكون الأساس في الحسابات الأميركية بليبيا. وفاقمت حالة عدم الاستقرار، التي تساعد «داعش» و«القاعدة»، من أزمة الهجرة غير الشرعية.
تعديل الاستراتيجية الأميركية
قال التقرير إن إدارة دونالد ترامب عليها تغيير سياستها في ليبيا، على أن تهدف إلى إنشاء نظام حكم يحظى بالشرعية الكاملة يستجيب لمطالب الشعب الليبي، بدلاً عن أن تقتصر على هزيمة «داعش» و«القاعدة» عسكرياً، وأكد أن «واشنطن أمامها فرصة جديدة لوضع ليبيا على مسار جديد، لكن الانتصار عسكرياً ضد المجموعات الجهادية ليس كافياً لتغيير ظروف ظهور النزعة الجهادية في ليبيا».
وأوضح أن أي سياسة جديدة يجب أن تعطي أولوية لإنشاء نظام حكم محلي، يحظى بشرعية كاملة ودعم الليبيين.
وفيما يخص قائد الجيش الليبي، أكد التقرير أن حفتر مكون مهم في العملية السياسية، ويجب على الولايات المتحدة التعامل معه لتشجيعه على المشاركة في إطار العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وضمان موافقته على الشروط الرئيسة مثل الرقابة المدنية للجيش وأجهزة الدولة.
وأكد أن «حفتر يجب أن يكون جزءًا من الحل للأزمة الليبية، لكن ليس كحاكم مطلق، حتى إذا استطاع تأمين العملية الديمقراطية».
تدريب القوات الأمنية
وفيما يخص النواحي الأمنية، دعا التقرير أيضًا الإدارة الأميركية وحلفاءها في أوروبا لدعم تشكيل وتدريب قوات أمنية مهنية.
وأضافت أن قوات الجيش الليبي لا يمكن أن تكون نقطة الانطلاق الوحيدة، موضحة أن قوات «الحرس الرئاسي» وعناصر قوات «البنيان المرصوص» مرشحون جيدون للانضمام إلى القوات الأمنية.
ويجب أيضًا فحص القوات الأمنية بشكل جيد لاستبعاد من له علاقة بالمجموعات «السلفية الجهادية»، على أن تركز عمليات التدريب على بناء قدرات القوات الليبية لمحاربة المجموعات المسلحة ورفع كفاءتها المهنية لتفادي تورطها في أي اشتباكات أو جرائم طائفية.
وعلى صعيد آخر، أوصى التقرير واشنطن بتكثيف التعامل الدبلوماسي مع الأطراف الليبية، ليست الرسمية فقط، لكن أيضًا العمل على مستوى البلديات والمجموعات الإقليمية لأنها المرشح الأفضل لتثبيت نظام الحكم.
ويتضمن ذلك بناء قدرات البلديات والمجتمعات المحلية، ودعم النظام الصحي وبناء قدرات القطاعات المالية والمصارف وتدريب المسؤولين المحليين لتوفير الخدمات والتواصل مع العامة.
صعود حفتر
قال التقرير إن «صعود خليفة حفتر على الساحة خلال الفترة الماضية جاء لافتًا، لكن الشراكة معه على صعيد مكافحة الإرهاب ليس كافيًا لتأمين مصالح واشنطن»، لكنه تابع قائلاً: «حاليًا، يحظى حفتر بالزخم، فقواته هي الأقوى بالبلاد وسيطرت على مدينة بنغازي ومعظم المنطقة الشرقية إضافة إلى الموانئ النفطية المهمة، وتركز حملتها على مدينة درنة».
وأضاف أن النهج الحالي يؤدي إلى عدة نتائج محتملة، بينها أن «حفتر سيجاهد من أجل الحفاظ على السلطة رغم غياب منافس حقيقي. فأعضاء التحالف الموالي له قد ينقلبون ضد بعضهم البعض حينما يسنح الوقت لتأمين دورهم في الدولة».
وتابع أن «المفاوضات التي بدأها حفتر مع القبائل ستصل إلى حدود معينة في الغرب، حيث تختلف المكونات القبلية بشكل واضح مقارنة بالمنطقة الشرقية، وهناك كثير من معارضي حفتر ما زالوا يصرون على موقفهم».
ورغم سيطرة قوات حفتر على مدينة بنغازي، قال التقرير إن «سيطرة حفتر على بنغازي لا تشير إلى توافق وطني لكنه مرحلة أخرى من الصراع متعدد الطبقات الذي مزق النسيج الاجتماعي للدولة».
ولفت تقرير «أميركان إنتربرايز» إلى «زيادة التوترات في بنغازي مع فشل حفتر وحلفائه في توفير الخدمات المحلية». وحذر من أن استمرار الانقسام إما يزيد من أمد الحرب أو يطيل دائرة ضعف الحكومة الانتقالية، ولن يساهم ذلك في تحسين الاستقرار الإقليمي أو استئصال «المجموعات السلفية الجهادية».
وأشار التقرير إلى نقطة أخرى وهي أن «أي حكومة يرأسها حفتر قد تفاقم الأوضاع التي سمحت للمجموعات الجهادية بالظهور والعمل، إذ يصنف حفتر جميع خصومه الإسلاميين كإرهابيين. ولن يساعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي جاء ضمن بيان باريس، في دفع حفتر على وقف حملته للقضاء على الإسلام السياسي، مما يزيد من الاستقطاب الراهن ويدفع الإسلاميين الوسطيين إلى أحضان المجموعات الجهادية المتشددة والقتال من أجل بقائهم».
إضافة إلى ذلك، لا تملك القوات الليبية القدرة الكافية على تأمين جميع الأراضي الليبية فيما بينها الحدود الجنوبية بطريقة تضمن تأمين المصالح الأميركية والأوروبية.