مقالات

التعامي عن القيمة المتطرفة في التخطيط

بقلم: احمد بشير العيلة

كثيرٌ من سكان مدينة بنغازي كانوا يتضايقون من الازدحام الشديد أمام مجمع الكليات الطبية لجامعة بنغازي (جامعة العرب الطبية سابقاً) في استنكارٍ وصل إلى حد اتهام التخطيط الاستراتيجي للدولة بالمجانب للصواب نظراً للأعداد الكبيرة التي قد تتجاوز الألف طالب في السنة الواحدة لكليةٍ واحدة من كليات الطب، وأن المجتمع لا يحتاج كل هذا العدد من الأطباء، خاصة أن الدولة غير قادرة على الاهتمام بهم تدريباً وتعييناً بعد التخرج، لكن الآن وبعد الأزمة الصحية العالمية (أزمة كورونا)، صرت أسأل نفسي هل ستتغير المعايير والمؤشرات الصحية وسياسات الصحة في كل البلدان؟.
ما قبل كورونا سجبت المؤشرات الصحية العالمية بالنسبة لعدد الأطباء لكل 10 آلاف نسمة، أنها تتراوح في العالم من 1 لكل 10,000 في بعض البلدان النامية مثل مالي و23 في الأردن ، إلى حوالي 82 لكل 10,000 في كوبا، ويختلف الرقم من سنة إلى أخرى حسب سياسات الدول الصحية.
أما في ليبيا فمعدل الأطباء لكل 10,000 نسمة؛ قد زاد معدل الأطباء خلال الفترة الزمنية 1970/1976 من 4 أطباء لكل 10,000 نسمة إلى معدل 12 طبيباً لكل 10,000 نسمة، وارتفع هذه المعدل خلال الفترة الزمنية 1977/1991 من 14 طبيباً إلى 16 طبيباً لكل 10,000 نسمة عام 1985 ثم انخفض المعدل إلى 15 طبيباً لكل 10,000 نسمة حتى نهاية الفترة الزمنية، لكنه قفز إلى 22 طبيبًا لكل 10 آلاف نسمة في 2017 حسب آخر إحصائيات رصدها البنك الدولي.
ونلاحظ أن هذه مجرد مؤشرات للمورد البشري، ولكن السرّ وراء التساوي التقريبي في المؤشر بين ليبيا (22) والأردن (23)، والإختلاف الكبير في الخدمات إنما يرجع إلى إدارة المورد البشري وليس عدده.
لكن ما بعد كورونا سيتم المطالبة بمضاعفة هذه المعايير، وسيعيد النظر العقل الإداري الاستراتيجي في الثوابت التي يعتمد عليها في التخطيط للموارد البشرية، خاصة في المجال الصحي حيث وجدنا فجأة أنه كان يمضي ضمن معادلة خطية نمطية ترتكز إلى مكونات عددية صرفة، وكشف وباء كورونا أن جميع السياسات الصحية في العالم خاطئة بامتياز. فقد انهيارت المؤشرات الصحية العالمية أمام جائحة كورونا، والسبب هو أن التفكير الاستراتيجي الإنساني مازال يشوبه القصور في الإلمام بكل البارامترات المحددة للنشاط البشري، لذا يجب أن يخرج التفكير الاستراتيجي عن التفكير الخطي المتنبّيء بالتوقعات خلال خط بياني مستقيم، إلى التفكير غير الخطي الذي يهضم دروساً أخرى غير دروس الاقتصاد وقواعد العرض والطلب، بل يجب أن تدخل المعادلات الاستراتيجية معاملات وبارامترات لها تعطي تنبؤات مغايرة وترتكز على علومٍ أخرى كفلسفة التاريخ ودوراته، وعلم الاجتماع والتفاعلات الثقافية، والحراك الاجتماعي الدولي، وغيرها من العلوم التي توسع الحسابات والتوقعات حتى تصل إلى تلك القيم المتطرفة التي قد تقلب الموازين في سنةٍ تماثل سنتنا هذه التي لم تكن في الحسبان لقصورٍ في التفكير البشري.
أحمد بشير العيلة
1 أبريل 2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق