مقالات

عودة الى مورد النفط والغاز في الاقتصادالليبي: ماله وما عليه (الجزء الثالت)*

بقلم : د. محمد ابوسنينة

افكار للتدبر والمناقشة والإثراء
كنت قد أشرت في مقالتى السابقة الى انني سوف أتناول الفرص الضائعة فى استغلال موارد استخراج وتصدير النفط والغاز في الاقتصاد الليبيي ، وكيف يمكن معاودة النظر فى أساليب وأنماط استغلال هذه الموارد خلال العشر سنوات القادمة وعلى النحو الذى يوءدي الى التخلص من هيمنة النفط على الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة .

ولا ادعي انه من خلال مقالة على صفحة على الفيسبوك يمكن تقديم او عرض استراتيجية متكاملة موءسسة على دراسة معمقة لجدوى مختلف المشروعات فنياً واقتصادياً وبيئيا ، يتبناها متخدوا القرار لوضعها موضع التنفيد ، بقدر ما تفتح آفاقاً للتفكير وتلفت انتباه الموءسسات العاملة في الصناعات الاستخراجية الى أولويات للعمل وتساعد مؤسسات الدولة المعنية بالتخطيط لبلورة استراتيجيات تكون كفيلة باحدات التحول الاقتصادي المنشود وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة .

وعندها سيكون على هذه الجهات انجاز الدراسات اللازمة ذات الطابع الاستشرافي التي توءسس عليها القرارات الاستثمارية ووضع الخطط والبرامج التنفيدية الكفيلة بالتخلص من هيمنة النفط وتنويع مصادر الدخل واعادة هيكلة الاقتصاد ليكون اقتصاداً إنتاجيا متنوعاً .

وللخوض فى هذا الموضوع لابد من الإجابة على الأسئلة التالية :
–  في دولة تنتج أنقى انواع النفوط ( خا م برنت ) وبها خمس مصافىءلتكرير النفط اتنتان منها كبيرتان وثلات مصافىء صغيرة وتستورد حوالي 75 ٪  من احتياجاتها من المشتقات النفطية ( البنزين والديزل والزيوت )، هل الاجدى ان تعمل على تحقق الطاقات الإنتاجية القصوى لهذه المصافي على اسس تجارية وتدشين مصافي جديدة وعلى النحو الذي يمكنها من الاستغناء عن استيراد الوقود وغيره من المشتقات النفطية وتصدير فائض الانتاج ودعم مركز الميزان التجاري بها ، ام تستمر في الاعتماد على الاستيراد لتوفير احتياجات السوق المحلية التي ينتهي جزء منها للتهريب ؟
–  فى دولة تشكل قيمة دعم الوقود المستورد نسبة مهمة من الانفاق العام بها سنويا لفترة تجاوزت الخمسين سنة ، وعباً على ميزان مدفوعاتها ، هل الاجدى الاستمرار في هذه السياسة وما يصاحبها من هدر فى الموارد ، لا يعود منها الا القدر اليسير على المواطن ، وحظ المواطن منها لا يختلف عن حظ الاجنبي داخل البلاد ، ام كان الاجدى استثمار المبالغ التى حصدها الدعم والتى تجاوزت 200 مليار دولار خلال الخمسين سنة الماضية لتطوير الصناعات النفطية واستكمال المراحل المتطورة الاخرى لمجمع الصناعات البتروكيماوية فى راس الأنوف ، وغيره من المشروعات الاخرى ذات الجدوى الاقتصادية التي يحتاجها الاقتصاد الوطني ؟
–  الم يكن الاجدى تسخير جزء من ايرادات النفط والغاز للاستثمار فى موقع ليبيا المتميز على شاطئ البحر المتوسط لتكون ليبيا حلقة الوسط بين افريقيا وبقية القارات الاخرى من خلال تجارة العبور والخدمات المصاحبة والمتممة لها ؟ بل انه كان يمكن ان يتحقق ذلك بواسطة الاستثمار الاجنبي والقطاع الخاص الليبيي .
– الا توفر الشواطىء الليبية فى بنغازى ومصراته ودرنة وطبرق وسرت مجالات لإقامة مناطق حرة تضاهي منطقة جبل علي في دولة الإمارات بل تتفوق عليها بالنظر الى الموقع الجغرافي المتميز الذي تتمتع به ليبيا وسط دول شمال افريقيا والشرق الأوسط ؟. وان التركيز على تطوير منطقة حرة رئيسة كبرى كفيل بتوليد دخل يتجاوز دخل الدخل المتأتي من تصدير النفط و يتصف بالاستدامة .
–  في حقبة زمنية معينة كانت هناك استراتيجية ترمي الى تصنيع كل المنتجات والسلع الاستهلاكية والمعمرة والإنتاجية ، ( كما يقال من الابرة الى الصاروخ ) في اطار ما عرف بسياسة الإحلال محل الواردات والاكتفاء الذاتي من كل شىء ، بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية للمشروعات الصناعية ، وهو الامر الذى لم تتمكن من تحقيقه أقوى الاقتصادات الصناعية فى العالم الذى يقوم على اسس من المزايا النسبية والتنافسية والاستغلال الامثل للموارد ، وفيه كل الصناعات يقوم بها القطاع الخاص ، وقد فشلت تلك الاستراتيجية في تحقيق أهدافها ، مثل ما فشلت فى دول امريكا اللاتينية وتم التخلي عنها لاسباب اقتصادية بحثة . الم يكن الاجدى توجيه الموارد التى انفقت على تلك الصناعات فى تطوير نشاطات اقتصادية استراتيجية ، اوعلى الأقل الاهتمام بالصناعات التصديرية التى تمتلك فيها ليبيا ميزة تنافسية وتوجيه ودعم القطاع الخاص نحوها ؟ .
–  اليس الاجدى الاستفادة من مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء ، التي بينت الدراسات الأولية امكانية نجاحها في تغطية كامل الطلب على الطاقة لمختلف الأغراض وتصدير الفائض منها للخارج ، بدلا عن التوسع في انشاء محطات توليد تعتمد على الديزل والغاز ، وعدم القدرة على صيانة هذه المحطات وتجديدها ، والاستمرار فى الصرف عليها لسنوات بمبالغ تتجاوز تكاليف إنشاءها ؟.
–  هناك العديد من المجالات الاخرى التى يمكن الاستثمار فيها ، او بالأحرى فتحها امام الاستثمارات الوطنية والأجنبية المباشرة ، والتى تشكل مصادر للدخل ، دون ان تستثمر فيها الدولة اية موارد متأتية من تصدير النفط ، مثل السياحة والصناعات البتروكيماوية ، واستغلال الموارد الطبيعية الاخرى التي تزخر بها الاراضي الليبية .
–  قد يتساءل البعض عن أوجه استخدام الإيرادات النفطية اذا ما فتح المجال امام الاستثمار الوطنى والاجنبى للاستثمار فى المشروعات المنفذة لهذه الاستراتيجية وما يترتب عليه من تحقيق وفر في الانفاق العام ؟ نرى ان الاستثمار الحقيقي لإيرادات النفط ،في هذه الحالة ، ينبغي ان يوجه نحو التنمية البشرية بمفهومها الواسع ( الاستثمار البشري ) والاستثمار فى اقتصاديات المعرفة واكتساب المهارات ، فالعنصر البشري هو الكفيل بتحقيق التنمية المستدامة عندما يتم الاستغناء عن النفط كمصدر للدخل ، او عندما يولي عصر النفط ، ولنا فى الدول غير النفطية التي عبرت نحو التنمية وتحقق معدلات نمو عالية عبرةً وفي تجربتها درس مستفاد .

*  “الافكار ووجهة النظر التي تضمنها المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المؤسسة التي يعمل فيها

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق