مقالات

أنت ليبـي وأنـا ليبـي

بقلم: د. إبراهـيم قـويدر

الشعور بالآلام المشتركة كان سمة من سماتنا …الانزعاج لأى ضرر يقع في أي قرية آو مدينة من هذه الأرض الطيبة كان منهجنا.. الخوف على بعضنا البعض كانت سيرتنا… التفاخر بوطنيتنا وانتمائنا كان منهجنا… فماذا جـري لنا الآن؟!

لنحلل معًا التاريخ يقول لنا: إننا كنا متلاحمين، وكان أم سبب زاد هذه اللحمة فينا هو نضالنا ضد المستعمر الغاشم في الحرب العالمية الأولي والثانية، ومكافحتنا لهذا العدوان الاستيطاني بشتى الوسائل والطرق، حتي وإن كانت بدائية، ولكنها وحدت صفوفنا وكان الدين الإسلامي عاملا مهما لاعتصامنا ولا تفرقنا، وقوى إيماننا بالوطن ونشر المحبة بيننا، وساهم في ذلك مجتمعنا البدوي العريق والحركة السنوسية التي نجحت في دورها الديني والاجتماعي والنضالي إلى حد كبير.

إن المجتمع الليبي مجتمع بدوي، حتي من يقطنون الآن مدن ليبيا المعروفة، كانت هذه المدن منذ زمن ليس بالبعيد لا تنطبق عليها مواصفات المدينة الحضرية وحتى سكانها وإن تأقلموا مع وسائل الحياة الحضرية المحدودة فيها مقارنة بمدن العالم الأخرى، إلا أنهم لم يتخلوا عن سلوكياتهم وأنماطهم الثقافية البدوية التي تحمل بين طياتها الكرم والشجاعة ونصرة المظلوم والوقوف مع المحتاج.

أمام هذه الحقائق التاريخية والاجتماعية، فالسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تحولنا إلى الإخوة الأعداء؟! كيف تحولنا إلى وحوش كاسرة يقتل بعضنا البعض ونشيع الفتن ونمارس الافتراءات ويقصي كل واحد منا على الآخر، بل يريد أن يسحب منه جنسيته ويطرده خارج بلده ليبيا.

ماذا حصل لنا؟!

خلال المفهوم الاجتماعي خلال الأربعين عامًا الأخيرة مر مجتمعنا الليبي بمجموعة من المراحل تمادت فيها عمليات الهدم للقيم الاجتماعية الأخلاقية الليبية “وحذرنا من ذلك فيحينه.. ولكن اتهمنا بالرجعية”.

إن عمليات الهدم هذه بدأت بضرب المؤسسات التي توحد الوطن مثل الجامعة الليبية والجيش الليبي، وكل ذلك بدعوي تحسين تقديم الخدمة للمواطنين وتحقيق مشاركتهم في ملكية السلطة والثروة والسلاح.

ثم بدأت المرحلة الثانية بتفكيك الإدارة بدعوى سلطة الشعب وعمت الفوضى الإدارية التي أثرت في سلوكيات التعامل بين الأفراد من خلال الإدارة السيئة وانتشار الوساطة والمحسوبية والفساد.

وكانت الضربة الكبرى عندما بدأ العبث بنظام التعليم بطرق وأساليب مختلفة أدت إلى تسرب أعداد كبيرة منه وعودة الأمية بعد أن كنا على مقربة من الاحتفال بالقضاء عليها تمامًا في ليبيا.

وكانت الضربة القاضية التي وجهت للبناء الاجتماعي الليبي هي السياسة المبنية علي مبدأ “فرِّق تَسُدْ”، فكان العمل على تنمية الصراعات بين القبائل والمدن والقرى، والأمثلة كثيرة ومتعددة على ذلك، وصاحب ذلك العقاب الجماعي بالتهميش والإقصاء لمناطق بعينها، وفي المقابل الاهتمام بتطوير مناطق أخرى وإغداق الأموال والتنمية عليها.

إن هذه العوامل انفجرت وظهرت على منذ ثلاثة سنوات؛ لأن هؤلاء الذين كانت تمارس ضدهم هذه العمليات وجدوا أنفسهم يملكون السلاح والحرية وعامل الجهل الذي تأصل، فنتجت قيادات لا تقل جهلاً عنهم لتقودهم وتحقق بهم منافع شخصية وتنصاع أمام بريق العالم الخارجي من دول وتنظيمات عالمية.

والآن بعد هذا التشخيص المر اجتماعيا، نجد أنفسنا في ورطة حقيقية، ليس أمامنا فيها إلا حل واحد وهو العودة لما كنا عليه في السابق قبل الأربعينات، صحيح أن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء، ولكن عالم الأخلاق والسلوكيات نستطيع إيقاظه من جديد بصحوة الضمير الوطني الليبي.

وهذا هو واجبنا جميعا بدون استثناء، علينا أن نعي أننا جميعا ليبيون، سواء كنا أنصار نظام القذافي أو ضده، أو أنصار ثورة فبراير المجيدة أو ضدها، وسواء كنا مع العمليات الجديدة “الكرامة” أو “فجر ليبيا” أو ضدهما، أو مع المؤتمر الوطني أو ضده، أو مجلس النواب أو ضده، كلنا يجب أن يعي أن الوطن لنا جميعًا ونحن شركاء فيه، وعلينا بحق ووضوح أن يتزحزح كل منا من مكانه قليلاً ليمكن لأخيه من الوقوف بجانبه في الصف الذي لا يستقيم إلا بنا جميعًا، وعلينا أيضًا أن نعي هذه الحقيقة، وهي أن الأمر لا ينتهي إلا بالتوافق والتسامح والتصالح والتضامن معًا لمحاربة العدو المشترك الذي يهددنا جميعا، ويهدد الحياة في بيتنا الكبير – ليبيا- وهو الارهاب المدعوم من الخارج وعملائه، هؤلاء لا وجود لهم بيننا في الصف إلا من سلم نفسه وسلاحه وأعلن توبته واعترافه بليبيا دولة مدنية مسلمة، لها دستور وجيش وشرطة، وتدار بمؤسسات تمنح العدل والمساواة لكل الليبيين والليبيات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق