
التلحيم في عام النكبة
بقلم : عزة سمهود
تابعتُ الحوار الدائر بين السيدتين اللتين يعود تاريخهما إلى عصر ماقبل الملكية، وكنتُ ألتقط الجمل المُنسابة من شفتي عمتي فوزية بدهشة بالغة ، خاصة عندما تكرر قولها : يا ودي الخبر هاذا ما كناش نعرفوه ، في إشارة منها للتذمر من مبالغة الناس في التعامل مع أضحية العيد وسط هذه الظروف المعيشية الصعبة ، ووسط تزاحم الأخبار عن شدة القيظ ، والتدافع الذي يحصل في طوابير المصارف ، المهم بدت لي أحاديث الصباح شائقة ، خاصة إذا رافقتها لقمة العصيدة المغرية إلى جانب أفضل جارتين لدي ، فوجدتُ نفسي أندس بسلاسة بينهما ، و أتساءل في جرأة قائلة : ولكن ياعمتي فوزية كيف كانت الناس أتعيَّد أيام زمان ؟
ردَّت في سرعة : نحنا أيام النكبة في ال67 كنا نعيدوا جماعيا ؟
: شنو شكله العيد الجماعي؟
: عام النكبة اللي ضربت فيه إسرائيل مصر ، كانت عندنا عادة اسمها ( التلحيم ) تتفق مجموعة كبيرة من الجيران وإلا الأقارب على تجميع مبلغ ، ويشروا الكبش ، ويعيدوا مع بعضهم ، يذبحوه الرجالة ، وكل واحد ياخذ نصيبه ، يشويه هو وعياله ، وبعد الشوايات والضحك واللعب والهدرزة تعدي الدنيا في حالها ، لاديون و لاضيق حال مش أنتم توا ماتعرفوا حتى كيف تقتنعوا بأن غيركم موجود معاكم .
و أمام الجملة الأخيرة ، اصطدمت ولنقل أنني تعثرتُ كثيراً ، ووجدت كأني لأول مرة أجد صعوبة في فهم واقعنا المرير ، خاصة في كيفية خلق تجمعات بشرية إنسانية ، تتواصل وتساند بعضها ، وتحاول اجتياز المحن التي بعضها ظاهرها فرح، وباطنها تعب كالعيد ، نحن نفتقد لأبسط مقومات المجتمع ، تلك التي تجعلك تدير أمورك بالاتفاق مع بعض أقاربك أو جيرانك ، ومثل هذه الأمور ترتقي لكونها ظاهرة ، وتًصنف على أنها أزمة ، كأزمة القمامة ، والغاز ، وتحصيل المرتبات ، لم نستطع أن نكون فرق تنوب عن الجمع البشري ، وتتناوب فيما بينها لتجاوز أزماتها ، ربما وقتها أمكننا أن نصل لحل أزمتنا السياسية المعضلة ، ولعل ما ورد عن عام النكبة من ظاهرة (التلحيم ) كان يكفي ليقول لي : احبوا بعضكم ، و تواصلوا ، وتلاحموا فلله القربان ، ولنا الوطن و الفرح به .
Azza Samhod