ثقافة وفنونغير مصنف

الاديب محمد المسلاتي يعيد نشر قصته “المختار يعدم من جديد”

[ هذا النصّ نشرته منذ سنتين ، أنشره مجددًا لتذكير أولئك الذين تناسوا الاستعمار الإيطالي ، ويحاولون طمس جهاد شيخ الشهداء عمر المختار ] **************
. المختار يُعدم من جديد/ قصّة قصيرة
بقلم / محمد المسلاتي
مثل ظل عبر الشيخ عمر المختار شوارع المدينة ،وميادينها ، جرّ قدميه المثقلتين متنقلًا بين ركام البيوت ،والجدران المنهارة، وأكداس القمامة ، والجثث المنتشرة، شعر بوجع يخضّ قلبه ، دمعت عيناه ، تألم في صمت ، تفادى رصاصة طائشة ، تساءل ما الذي يحدث؟ ربما أخطأ في المكان! حاول أن يتفحص ماحوله ، حرائق ، ضباب ، لا أطفال ، لا أشجار، لا عصافير ، قال لنفسه :-
– بعد كل هذه الفترة ألم يتحرر الوطن ؟أو أن الإيطاليين عادوا مرة أخرى!
كادت رصاصة قنّاص تصيبه لولا انحناءة ظهره ، بحث عن ممر آمن ، فجأة أحاط به عدد من الرجال ، ارتفعت أصواتهم تأمره بالتوقف ، تذكر يوم اعتقاله ، أراد أن يتبيّن ملامحهم ، لم يتمكن ، كان يرتديهم السواد ، الوجوه أقنعة ، عيون فقط ترمقه بشرر نهم ، قال لهم :-
– أنا عمر المختار.
ضحك قناع وقال :-
_ نعم أعرفك جيدًا .
قال آخر:_
_ جئت في زمن ليس زمانك .
عاد القناع الأول يقول :-
_ تقرر إعدامك اليوم ، ألم تقل ( ننتصر أو نموت ) لن نمكنكم من النصر، بل من الموت
قال المختار :-
_ الموت أحيانا يكون نصرًا .
صمت عمر المختار ، قال القناع الأول :-
– كان إعدامك في منطقة سلوق الصغيرة متواضعًا . نريد إعدامًا يشاهده ، ويشعر به جميع الليبين . ويراه العالم بأسره ، تتناقله جميع القنوات ، ووسائل الإعلام ، قال المختار : –
– إن المرء يموت مرة واحدة.
-لكنك لازالت حيًا .
ابتسم عمر المختار ، وهمس :-
_ أنهكتني السنون ، لا خوف مني ، وأنا أعزل من السلاح.
_ لكنك عمر المختار ، وهذا يكفي .
تساءل عمر المختار :-
_ أين جوادي؟
_ باعوه في المزاد .
_ وبندقيتي؟
_ صادروها .
_ نظارتي الطبية !
_ اختفت ، لا أحد يعلم أين ، أو كيف ؟
تمتم عمر المختار بأسى :-
_ لو كانت معي ، ربما تمكنت من رؤية ملامحكم .
قال القناع :_
_ ليس مهمًا أن ترانا ، نحن نراك بوضوح .
قال الشيخ عمر المختار :_
_ أين رفاقي من المجاهدين ، أولئك الشرفاء ؟
_ لم يتبق منهم أحد ، لن نطيل الحديث ، إعدامك سيتم اليوم ، جهزنا كل شيء
نفث عمر المختار آهة عميقة من صدره:-
_ اليوم ، إعدام آخر !!
_ إعدامك الأول تحملت وزره إيطاليا وحدها ، لكن اليوم لها شركاء كثر.
اقترب أحدهم من عمر المختار ، وسأله عما إذا كان يرغب في أي شيء قبل إعدامه؟
قال عمر المختار وهو ينظر نحو البعيد:-
_ صورة وجهي انزعوهاعن أوراق نقودكم المتداولة ، لا أطيق أن تتلوث ملامحي بأصابع اللصوص ، وأثرياء الموت ، والمأجورين ، ووزراء الحكومات الموسمية ، والغانيات ، والمهرجين من ساسة القنوات التلفزيونية ، والفيسبوك ، وتجار الكلام ، والمحتالين ، والسماسرة ، لا أحتمل أن تدعس أياديهم القذرة صورتي المطبوعة على رزم الأوراق المالية التى يجمعونها بشراهة.
. في اليوم نفسه أُعدم عمر المختار للمرة الثانية ، سرت آلامه في أوصال الجميع ، نزفت قلوبهم دماء جراحاته ، ارتعشت أجسادهم رعشة إعدامه ، عند المساء اختفت ملامح وجهه المتوهج بلحيته البيضاء من كل أوراق العملة ، وأمست مجرد أوراق عادية متداولة ، آنذاك ساد الفقر .. وعمّ الجوع أرجاء البلاد .
**************************

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق