حلم رأس سنة – قصة قصيرة للكاتب محمد الأصفر
عشية رأس السنة حلمت بك . كنت بجانبي على الفراش ، تحدثينني في الأدب ، وأحدثك في الفن . كنا سعيدين جدا ، حتى أنني لم أغضب عندما أيقظوني ، لأنهم لو لم يفعلوا لكنت احترقت من وهج القصيدة التي بدأت تنقش نفسها وتتدثر من ( العين ) بشغاف قلبينا الرقيقين ..
بعد منتصف الليل نمت وأنت آخر صورة أطبقت عليها أجفان ذاكرتي وانتظرتك متلهفاً ، وبزغ الفجر ولم تأت … وعندما أشرقت الشمس كانت أشعتها الدافئة تناسخات من طيفك ، فاستيقظت ضاحكاً كرضيع لا يشكو من المغص …
وقالوا ليس من عادتك الاستيقاظ ضاحكاً !
ما الطارئ أيها المجنون ؟
هل هو حب جديد ؟
وقلت : لا … إنما حب قديم اكتشفه علماء آثاري ..
وغضبت ، وثارت ثائرتي ، وتركوني أمطر ما في قلبي على ضفاف الزمان ، وبدأت اسطر قصتنا .. عندما كنا صغارا ونحن نقرأ معاً … ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والألغاز والطلاسم والمنفلوطي والشابي وجبران والجاحظ وعنترة والمتنبي والناقد والعربي والحرية وأخبار الأدب والحقيقة والاهرام صباحي ومسائي … وكل ما وقعت عليه أبصارنا من معاناة عذبة ، وكنا نبصر بعضنا متلفعين بالحروف الزاخرة بأحاسيس الأمل … وكان القدر يقرب بيننا ويباعدنا كبحر لا يرسو على حال ..
في برقة أدور وأقول ثمة شيء جميل هنا … ثمة قرين تائه .. اتطلع في العيون التى تلاقيني أجدها ملأي ( بغناوي العلم ) وأتمتم حزيناً : (( لا شواغر هنا ، العشق لديهم هواء)) …
وفي بنغازي أدور هنا وهناك ، أرمي بإبصارى فلا أراك وأحس اقتراب خطواتك الراقصة ، أحاول اقتفاءها لأعرف معهدك أو جامعتك أو مأواك … وعندما أخجل من أنفاسك السابحة في هواء بنغازي المملح وهى تدفئني بجملة : لا تُحِل القدر إلى البطالة .
لو أراد جمعنا لفعل ، وها هو قد فعل وجمعنا في حلم عشية جميلة ربما تكون أروع عشية عشتها في حياتي …