غير مصنفمقالات

التوريدات الموعودة والسلع المفقودة…إلى متى تستمر المهزلة

بقلم : محمد عمر بعيو

ثمة فارقٌ كبير لا يدركه إلا الراسخون {وهُـم في بلادنا قلّة قليلة للأسف} بين أن تنتقد قراراً صادراً عن سلطة ما في دباجته أو محتواه أو توقيته أو دوافعه ونتائجه، وبين أن ترفض السعي إلى حل مشكلةٍ ما يعانيها الناس، خاصةً إذا كانت تمس حياتهم المتداعية ومعيشتهم المتأزمة واحتياجاتهم الغائبة.
كنتُ أول من انتقد وبشدة قرار السراج الصادر قبل أسبوعين، بشأن الإذن باستيراد احتياجات المواطنين في شهر رمضان الكريم بالأسلوب المصرفي المسمّى [المستندات برسم التحصيل]، وكان انتقادي القاسي لأسبابٍ موضوعية غفل عنها معظم من قرأه وتفاعل معه بما فيهم السيد فائز السراج نفسه، وقبل أن يتدخل الصائد في الماء العكر صاحب الديوان خالد شكشك الإخوان، فيأمر تعسفاً بإيقاف القرار مستغلاً ضعف من أصدره وتخاذله أو ربما طيبته وبساطته، وانتقادي الصادر عن ذي اختصاص وخبرة في الاقتصاد والتجارة علماً وإدارة لم يرفض توريد السلع الرمضانية بذلك الأسلوب، فأنا إبن الشارع الليبي أعيشه وليس فقط أتعايش معه، وأتجول في الأسواق وأشتري احتياجات بيتي وعائلتي، وأعرف حركة الأسعارة ومعاناة المواطنين من ارتفاعها، ومعاناة التجار من تذبذب التكاليف وتحديد هوامش الربح لسلعٍ مستوردة تزيد قيمتها وتنقص قبل وأثناء وبعد البيع، واضطراب العلاقة بين العرض والطلب، واختلال كل قوانين السوق في ظل سوق الفوضى وسوقية السياسة العامة والإدارة الإقتصادية بجميع مكوناتها، وإنما كان انتقادي مصحوباً بضرورة الإسراع في التوريد، لكن ليس بهذا العبث الذي أذن به قرار السراج المعيب روحاً ونصاً ومعنى ومبنى، والذي يفتح للفساد باباً جديداً في بلد يكاد يصبح أفسد بلد في العالم، ليس شعباً ولا قيماً لا سمح الله، بل بل سلطاتٍ وحكاماً ومتسلطين ومتحكمين، وانتقادي أيضاً للتأخير في القرار والتنفيذ وضيق الوقت وضخامة المبلغ المخصص المليار والنصف مليار دولار، رافقه انتقاد لمصرف لـــيـبـيـــا المركزي في تخليه عن مهامه القانونية طوعاً أو كرهاً، ومحاولته التي أعرف أنها صادقة للتنحي عن صدارة القرار الاقتصادي وتركه للسلطة ذات الاختصاص، وذلك تصرف سليم واتجاه محمود لو كانت في لـــيـبـيـــا سلطة تنفيذية شرعية حقيقية، قادرة ولو في الحد الأدنى على حكم البلاد وإدارة الإقتصاد وخدمة العباد، لكن ذلك كله مفقودٌ مفقود، وسيظل مفقوداً لزمن طويل قادم طالما تخلى الليبيون عن حقهم وأسلموا زمام أمرهم للعاجزين والجاهلين والغافلين والطامعين والمتخاذلين والضعفاء والجبناء، وعلقوا آمالهم على مبعوثي الأمم المتحدة المرابين الكذابين من أولهم اللبناني متري إلى أخيرهم وليس آخرهم اللبناني سلامة، الذي يزعم أنه فيسلوف العصر، والذي لم يكتف بتطاوله علينا وتلاعبه بنا وبمعاناتنا، فأسلم أمرنا أخيراً لمركز ماسوني يريد أن يجمعنا على موائده المسمومة بإدارة تونسي جاهل أفاق يتوهم أنه فيلسوف آخر الزمان.
نــعــم… لابد من الإسراع اليوم وليس غداً بتوريد مجموعة من السلع الضرورية بطريقة المستندات برسم التحصيل، ولكن بشفافية وضبط وحكمة ومسؤولية، لا تأخذ في الاعتبار أُكذوبة عدالة توزيع الاعتمادات بين المناطق والقبائل، وبين الشركات التجارية الحقيقية وتلك الوهمية، وتجعل من هذا الحل العاجل لتوريد السلع وتخفيض الأسعار وسيلةً لسحب السيولة إلى المصارف قدر المستطاع، وهذه مسؤولية مــصــرف لـــيـبـيـــا الــمــركــزي، إن قام بها أثنينا عليه وإن قصّر فيها انتقدناه ليس مزايدةً عليه بل حرصاً على الوطن الذي هو أكبر منا جميعاً، ولا بأس إن أراد السيد فائز السراج تحملها معه، المهم أن يعلم أن الشعب الليبي لم يعد يحتمل أكثر وأن الانفجار قادم أكاد أراه رأي العين، فالجوع كافر وإذلال الإنسان هو الكفر الثاني بعد الكفر الذي يتنافى مع الإيمان.. والله الــمُــســتــعــان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق