إطلاق الرصاص في الهواء للتعبير عن الحزن و الفرح ..ثقافة تقتل الليبيين
“مقابل كل عرس عزاء وكل عريس قتيل ” هكذا علقت نجوي الضاوي المواطنة من مدينة بنغازي علي ظاهرة إطلاق الرصاص في الهواء عشوائيا في المناسبات التي أصبحت ثقافة قاتلة في مدينتها .
ففي بنغازي يطلق المواطنون في مناسباتهم الاجتماعية الرصاص عشوائيا للتعبير عن سعادتهم أو حزنهم بحدث ما بينما تسقط لا محالة تلك الرصاصات التي صعدت للسماء علي رؤوس ضحايا لا ذنب لهم إلا أنهم يسكنون تلك المدينة .
بنغازي التي يسكنها أكثر من مليون و نصف مواطن لا يكاد احدهم لا يملك سلاح فهي المدينة التي انطلقت منها الثورة ضد نظام معمر القذافي الذي اقتحمت مخازن سلاحه هناك عام 2011 ليستولي السكان علي أكثر من 2 مليون بندقية ناهيك عن السلاح الذي ادخل لها أثناء الحروب التي شهدتها طول السنوات السبعة التي عقب تلك الثورة .
و عن ذلك تقول نجوي الضاوي لبرنيق أن ” المحتفلين بالأفراح هنا في بنغازي يطلقون كمية كبيرة من الذخيرة تكفي لتحرير فلسطين ” .
وتتابع متأسفة ” أصبح مع كل عريس يزف إلي زوجته قتيل يرسل إلي قبره لان الرصاص يصعد في السماء و يهبط علي الناس و كل ذلك في غفلة من الأجهزة الأمنية “.
ثلاث أوامر تخص القبض علي مطلقي الرصاص العشوائي أصدرها الحاكم العسكري للمنطقة الفريق عبد الرزاق الناظوري وهو رئيس أركان الجيش الليبي ناهيك عن أكثر من عشرة مظاهرات منددة بالظاهرة لكن كل ذلك لم يغير شي .
أما عن السبب يقول فرج المبري الطبيب النفسي أنه ” بسبب الحروب التي شهدتها المدينة و عقلية المواطن أصبحت تبيح له فعل ذلك و معظم الشباب شاركوا في الحروب و أصبح سماع أزيز الرصاص وحده من يطرب أذانهم ويريح نفسياتهم “.
وتابع ” بعد عام 2011 و انقضاء الثورة ضد نظام القذافي كان يجب علي السلطات إنشاء مراكز تهيئة نفسية للمحاربين لتخليصهم من الأذى النفسي الذي تسببت به الحروب ورؤية الدماء والأشلاء البشرية لمدة عام وهي مدة الحرب خلال الثورة “.
” لكن السلطات الليبية ارتكبت جريمة كبيري ” يقول المبري وذلك ” عندما دمجت اؤلائك المحاربين الذين تعودوا الدم و القتل دمجتهم داخل المجمع بشكل مباشر ” .
وتابع ” وهو ذات الأمر حصل حاليا فبنغازي شهدت حرب لمدة ثلاث أعوام انتهت قبل اشهر شارك فيها معظم شبابها و هاهم الآن يعيشون داخل المجتمع مع ما يحملونه من تشوهات نفسية أنتجتها الحرب بالتالي لن يردعهم قرارات أو مظاهرات عن فعل ما يطرب أذانهم و يهدي نفوسهم ” هكذا يقول .
كلام الطبيب عن عدم وجود رادع تجسد فعلا فقبل ثلاثة اشهر أثارت ثقافة إطلاق الرصاص في الهواء موجة كبيرة من السخط في المدينة وذلك بعد انتشار فيديو التقطه كاميرا أحد المقاهي بمنطقة شارع عشرين يظهر مقتل شاب إثر سقوط رصاصة علي قلبه وهو وسط رفاقه جالسين أمام المقهى .
و رغم تلك الموجه من السخط علي الصعيدين الحكومي و المدني إلا أن تلك الظاهرة استمرت حيث كانت أخر ضحاياها الشابة فاطمة التاجوري التي سقطت عليها رصاصة طائشة داخل سيارة عائلتها قبل ثلاثة أسابيع وذلك قبل أيام فقط من مراسم زفافها .
مقتل ” عروس بنغازي ” كما سماها مواطني المدينة الذين خرجوا في مظاهرات منددة بمقتلها لم يمنع مطلقي العشوائي في الهواء من ممارسة هوايتهم و ثقافتهم حيث أصيبت قبل أيام الطفلة هناء المبروك (3 أعوام) برصاصة عشوائية في الرأس أثناء تواجدها بالمنزل بمنطقة حي الفاتح .
و أما عن ضحايا تلك الظاهرة أو ” الثقافة القاتلة ” كما يحب أن يسميها أهالي المدينة تقول الطبيبة سناء محمد أنها ” لا تملك إحصائية عن عدد ضحايا تلك الجريمة ” لكنها تؤكد أن ” من قتل بسبب العشوائي فاق العشرين شخص “.
الطبيبة الليبية أكدت أيضا أن ” مستشفي الجلاء وحدة استقبل أكثر من خمسين إصابة بسبب ذلك الرصاص بين رجال ونساء وأطفال و شيوخ “.
و إن تحدثنا عن الحل فالعميد المتقاعد في الشرطة الليبية محمد زيدان يقول أن ” هناك مقترحين طرحا لمعالجة الأمر وهي حلول عسكرية غير مجدية في الوقت الحالي ” بحسب رأيه.
وتابع ” المقترح الأول وهو جمع السلاح وهو أمر صعب و يحتاج لخطة كبيرة ومحكمة و يحتاج وضع مستقر وهو أمر مستحيل في الوقت الحالي و المقترح الثاني هو توقيع إجراءات رادعة ضد المخالفين وهو أيضا أمر صعب “.
و يشرح العميد صعوبة تطبيق المقترح الثاني قائلا ” معظم من يطلق الرصاص في الهواء هم شباب شاركوا لجانب الجيش في الحرب ضد أنصار الشريعة و داعش و سجنهم الآن سوف يسوق له الطرف المضاد علي أنه انشقاقات داخلية و ان الجيش يقضي علي حلفائه بعد أن استخدمهم في الحرب “.
و يري زيدان أن ” الحل حاليا اجتماعي حيث يجب أن يتم مشاركة زعماء القبائل التي ينتمي لها اؤئك الشباب لدرعهم إضافة إلي إطلاق خطة توعية شاملة تغير من خلالها عقلية حامل السلاح و تبين له فضاعة الجرم الذي يقترفونه دون قصد “.
و ما يسري في مدينة بنغازي هو ذاته الذي يسري في جميع المدن الليبية التي ينتشر فيها السلاح بشكل كبير حيث أصبح إطلاق الرصاص في الهواء للتعبير عن الحزن و الفرح ثقافة تقتل الليبيين .
تقرير / برنيق / خاص