
لعنة الدم .. قصة قصيرة للاديب “محمد المسلاتي”
لعنة الدم / قصة قصيرة – بقلم / محمد المسلاتي
صوب البندقية نحو الهدف ، طائر وحيد يحلق على ارتفاع منخفض ، السماء صافية ، الشمس مشرقة ، للطائر ظل ضخم على الأرض ، دوَّت طلقة قوية ، ارتفعت خيوط من الدخان ، تبعثرت أصداء الانفجار عبر الصمت ، عاد السكون يخيّم من جديد ، فقد الطائر اتزانه ، ترنح في الهواء ، بدأ يسقط نحو الأرض ، لاحقت عينا الصيّاد الطائر ، تابعتا دوامات سقوطه بانتباه ،
اختفى ظل الطائر ، صار جثّة على الأرض ، تقدم الصيّاد بخطوات ثابتة ، البندقية على كتفه ، الفوهة إلى أعلى ، الشمس تطل بنصف إشراقة ، للصيّاد ظل طويل ، للبندقية ظل مستطيل ، وصل إلى الجثّة ، لكزها بقدمه ، انبسط الجناحان ، انتفض الجسد الصغير ، عينا الطائر مفتوحتان ، تطلان إلى أعلى ، الشمس تنعكس داخلهما على شكل دائرتين على وشك الانطفاء ، تأمله لحظة ، انحنى على الطائر ، رفعه بين أصابعه ، دقق فيه النظر ، أدهشه صغر حجمه ، ابتسم باعتزاز وكبرياء ، حدّث نفسه بالرغم من صغر الهدف إلا أنه تمكن من إصابته ، مهارة الصيّاد في إصابة أصغر وأدق الأهداف ، بيده الأخرى ربت مزهوًا على البندقية ، تكدّرت ملامح وجهه ، شيء ما لفت انتباهه ! قرّب الطائر من عينيه أكثر ، شاهد ثقبًا عميقًا ذَا فوهة واسعة عند مقدمة الصدر تمامًا ، بدا له الثقب كأنه يؤدي إلى مالا نهاية ، اتساعه يكاد يكون أكبر من حجم جسم الطائر ، يا إلهي ، ماهذا؟ كيف بإمكان طائر صغير مثل هذا أن يحتمل ثقبًا بهذا القدر من الاتساع ؟ رفعه إلى أعلى محاولًا تفحص الثقب ، وتحديد مداه ، ظهر ظل جديد للطائر ، انبثق الدم غزيرًا من الثقب ، فوّارة حمراء لا تتوقف عن التدفق ، انزعج الصيٓاد ، ارتبك ، اهتزّت يده ، دم يسيل بين أصابعه ، يتسرب إلى المرفق ومنه إلى الإبط ، انحدر تحت الملابس ، شعر بسخونته تلدغ كل جسده اللزوجة تسدّ مسامه ، بحركة لا إرادية نقل الطائر إلى الجهة الأخرى ، سقطت البندقية على الأرض ، اختفى ظلها ، غيوم صبغت صفاء السماء موارية الشمس .. الدم يزداد غز ارةً ، غطى النصف المتبقي من جسده ، تملكه خوف مفاجيء ، ألقى بجثّة الطائر بعيدًا ، استرعى انتباهه أمر غريب ! الجثّة تدور، وتدور في الهواء مكوّنة دوائر متداخلة من الدم ، تمتم برعب :-
– من أين لهذا الطائر الصغير كل هذه الدماء ؟
ركض مفجوعًا، وصل إلى البحر ، اندفع بقوة وسط أمواجه المتلاطمة ، كل همّه أن يتخلص من مستنقعات الدم العالقة به ، خرج من المياه يتقاطر دمًا. جحظت عيناه ، نظر خلفه إلى البحر ،لم يصدق ما يراه ! لون البحر صار أحمر . صرخ بأعلى صوته ، راح يجري مبتعدًا عن المكان ، يلاحقه سيل جارف من الدماء .
••••••••