أجتماع تونس الاقصادي ، كلام جميل بس ما معقول
بقلم : د. سليمان سالم الشحومي
ما دار في اجتماع تونس حول الوضع الاقتصادي وسبل تحسينه ، والذي تم فيه عرض رؤية حكومة الوفاق لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والذي يقوم علي خطة مكونة من 35 خطوة او سياسة محددة للقيام بالإصلاح الاقتصادي وتشمل إجراءات تعديل سعر الصرف وتطوير القطاع المصرفي ومعالجة الدعم وتحفيز القطاع الخاص واقرار إصلاحات في الانفاق الحكومي والمرتبات والبعثات والكثير غيرها مما لا يتسع المجال لذكرها.
الواقع ان الخلاصة التي خرجت من الاجتماع ان الجميع سواء البنك المركزي او الحكومة او المراقبين للاجتماع من الأطراف الدولية علي اتفاق تام بضرورة اجراء إصلاح اقتصادي شامل . ولكن الحكومة تريد ان يبداء تنفيذ البرنامج الان والبنك المركزي طرابلس يصر علي اعتماد حزمة الإصلاحات جملة واحدة من قبل البرلمان . وهذا الخلاف في اليات إقرار الخطة هو مربط الفرس في هذه المسالة. الحكومة تبدو مستعجلة في الإقرار وان تتحمل المسؤلية القانونية والاجتماعية تجاه تنفيذ هذا البرنامج في حين ان البنك المركزي يصر علي ان يعتمد البرنامج الاصلاحي من قبل السلطة التشريعية اولا.
وللتاريخ فليبيا مرت ببرنامج اصلاحي سابقا خلال فترة نهاية التسعينات والتي اشتهرت بعديل سعر الصرف ، وقد عاصرت شخصيا تنفيذ جزء من هذه الإصلاحات عندما كنت مدير عام ادارة الدرسات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد ، واطلعت علي البرنامج المقر في ذلك الوقت وخطط التنفيذ وكانت تسمي بالسياسات الاقتصادية والتي يعتقد الكثيرين ان تعديل سعر الصرف تم بتصميم وعزم من ادارة البنك المركزي في ذلك الوقت ، والحقيقة ان الحزمة كانت مقرة من موتمر الشعب العام ومن الحكومة ثم تم المباشرة في تنفيذها، واستغرق التنفيذ عدد من السنوات كونها كانت تشمل إجراءات تفصيلية تتخذها الحكومة والمؤسسات التابعة لها وقوانين تصدر عن السلطة التشريعية . وصحيح ان تعديل سعر الصرف كان هو الابرز بحكم التأثير المباشر، ولكن المسالة أخذت وقت من التخطيط والتنفيذ .
اعتماد السلطة التشريعية لبرنامج شامل للإصلاح امر معروف سابقا في ليبيا ، بل حتي الدول التي تقر حزمة إصلاحات في الغالب تأخذ بمبداء اقرارها من السلطة التشريعية حتي تصير لها القوة القانونية ولا تعرقل من قبل السلطات التنفيذية او الفضائية .
ربما قائل ستسأل هل نحن الان في نفس الضروف التي كانت في وقت إقرار وتنفيذ البرنامج الاقتصادي السابق في نهاية التسعينات وبداية العشرينات ؟ طبعاوحتما الإجابة بلا.
ويبقي السؤال الأهم هو هل نحن في ليبيا الان نستطيع ان ننفذ برنامج إصلاح شامل في ظل كل الضروف السياسية والانقسام والانهيار المؤسسي الموجود؟ فبعض الأجسام تعاني من مشكلة الانقسام ومشكلة الشرعية الدستورية .
في تقديري حتي مع إقرار البرلمان لمثل هذه الخطة وهذا الامر لا أراه ممكنا الان الا ربما بعد الاتفاق السياسي الذي قد يبرم وقد لا يبرم بين الأطراف السياسية الان . وبالتالي سيكون الامر معقد وصعب التنفيذ الا اذا تم توحيد المؤسسات والوصول الي اتفاق سياسيي يمهد الطريق لتنفيذ مشروع الإصلاح الاقتصادي .
الامر الاخر هو كيف سيوافق البرلمان علي يقلص النفقات علي المرتبات وهو من أقر مؤخرا رفع مرتبات المعلمين بشكل كبير جدا ، وربما سيقوم بنفس الامر لباقي الجهات الآخري مثل العاملين في الصحة والأمن وغيرهم . وبالتالي لابد من وجود مناخ قابل لطرح واقرار السياسات او برنامج الإصلاح الاقتصادي ، فالواقع يشير الي ان هذا الامر الان غير ممكن التحقيق.
ما يطالب به الكثريين وانا منهم ، ان ينفذ البنك المركزي مع الحكومة برنامج إصلاح جزئي يمكن معه إيقاف الانهيار الاقتصادي ويعالج مشكلة تاكل قيمة الدينار ويقضي علي الفساد في بالاعتمادات وتهريب الوقود والسلع ، عبر الاتفاق بين الحكومة والبنك المركزي يرتكز علي تعديل سعر الصرف و تعديل الدعم وتصاحبه إجراءات لتحسين دخول الفقراء ويمكن استخدام صندوق الانماء الاقتصادي والاجتماعي في المساهمة في ذلك عبر اعادة ضخ العوائد السنوية للاسر الفقيرة . وان تبقي باقي البرنامج الي حين تحسن الضروف السياسية ويتم استكمال باقي الإجراءات الآخري .
يبدو ان مسالة الإصلاح الاقتصادي والتي ينادي بها كلا علي طريقته لن تكون امر ممكن تحقيقه الان ، فلازال أمامنا الكثير لنصل الي توافر الإرادة السياسية قبل توافر الإرادة الإصلاحية ، ما يطرحه محافظ البنك المركزي باشتراط اقرار البرلمان الان لبرنامج الإصلاح هو كلام جميل ولكنه في الواقع كلام غير معقول وغير واقعي فهو في نظر البرلمان غير شرعي وبالتالي في تقديري ان الإصلاح الاقتصادي الشامل سيكون مع وجود مؤسسات تحضي بالشرعية والمقدرة القانونية والسيادية علي كامل البلاد.
د. سليمان سالم الشحومي
مؤسس سوق المال الليبي .