مقالات

وطن الجيلجامي (1)!!

بقلم : الصديق بودوارة

(1)
في كتابه الرابع الشهير ، والذي خصص معظمه للحديث عن “ليبيا” قبل ثلاثة آلاف سنة من الآن ، يقول المؤرخ الاغريقي الشهير “هيرودوتس” عن مجئ الاغريق إلى ليبيا ، وفي الفقرة (158) بالذات ، الآتي :
(2)
(( سكن الاغريق هذا المكان ست سنوات، وفي السنة السابعة وعدهم الليبيون بأنهم سيقودونهم إلى مكانٍ أفضل، واتجهوا بهم غرباً ، وعندما وصلوا بهم إلى عينٍ تسمى “نبع أبوللو” قالوا لهم : أيها الرجال الإغريق هنا ، من الملائم لكم أن تسكنوا، لأن السماء هنا قد ثُقبت . ))
(3)
“الجيلجامي” ، ايها السادة ، قبيلة ليبية قديمة ، وجدت أن الاغريق الغزاة قد وطئوا أرضها ، وعندما ضاقت بهم ، قررت أن تقودهم إلى مكانٍ آخر ، فسار بهم رجالها إلى حيث مدينة “شحات” الحالية ، واخبروهم أن هذا المكان يلائمهم لأن السماء هنا ممطرة طيلة العام ، وهذا ما تعنيه عبارة ” السماء هنا قد ثٌقبت ” .
(4)
“الجيلجامي” ، أيها السادة ، تصرفت بمنطق وطن القبيلة ، لا قبيلة الوطن ، إن رجالها اعتبروا أن حدود الوطن هي مضارب القبيلة ، وأن ما يتجاوز هذه المضارب هو أرض لا علاقة للوطن بها ، لذلك ، قادوا الغزاة بعيداً عن ارضهم ، معتقدين أنهم بذلك يخرجونهم من الوطن .
(5)
هذه هي مشكلتنا اليوم ، وهذا ما يجب أن نعيد قراءته ألف مرة كل يوم .
(6)
ما يحدث الآن في ليبيا هو إعادة حرفية لما كتبه “هيرودوتس” ذات يوم ، إن الليبيين اليوم يعيدون كتابة تاريخ “الجيلجامي” من جديد .
(7)
تاريخ “الجيلجامي” ،هو ثقافة تقول إن الوطن هو حدود مصالحنا ، وإن الوطن هو رداء نفصله على مقاييس نزواتنا ورغباتنا ، وإن الوطن هو حدود مراعي مواشينا ، وما بعده هباء منثور ، وإن الوطن هو مصالحنا الخاصة ، وأحلامنا بالثروة ، وأطماعنا بالسلطة ، وما عدا ذلك هو وطن لا يعنينا في شئ . أليس محزناً أن نعتنق ثقافة “الجيلجامي” بعد ثلاثة آلاف سنة من موتها ؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق