تقارير

الاجتماعات الدولية لا تكفي لإنقاذ ليبيا

عندما أدلى المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا السفير جوناثان وينر بشهادته مؤخرا أمام لجنتين برلمانيتين فرعيتين للشؤون الخارجية حول الوضع في ليبيا، رسم صورة إيجابية ومشجعة. ولكن لم يكن تقييمه ورديأ أكثر من اللازم ، فقط،  لكن الأمل لا يكفي لإنقاذ البلاد.

حقائق على الأرض

تقف ليبيا في مرحلة جديدة من الحرب الأهلية، تعد معركة سرت ضد قوات داعش أحدث تشظياتها. ولكن كما كتب طارق مغريسي: “صحيح أن المعركة توشك أن تُكسب … لكن النصر في سرت، و رغم أننا نرحب به ، فإنه سوف يكون قليل الأثر الإيجابي على فراغ السلطة في البلاد”.

في الواقع، يمكن أن تتسبب هزيمة داعش في المزيد من الفوضى: الفصائل المحلية المتعددة تتنافس الآن من أجل السيطرة.

في الجزء الشرقي من البلاد، في الوقت نفسه، يركز الجنرال خليفة حفتر على نحو متزايد وبمساعدة من دول أجنبية منها مصر، وروسيا على تعزيز السيطرة في بنغازي ودرنة. ويموقع أحد من كبار قادته، المحافظ واللواء عبد الرزاق الناظوري قيادته العسكرية في البلديات الاستراتيجية في المنطقة.

في الغرب، كان هناك قتال عنيف في مدينة الزاوية غرب طرابلس، بين عائلتين متناحرتين: حنيش والخضراوي. وفي طرابلس نفسها، مقر حكومة الوفاق المدعومة دوليا ، دخلت كتائب ثوار ليبيا ساحة الشهداء في عربات مدرعة الشهر الماضي لمطالبة الحكومة فعلا بحماية المدنيين، داعية إلى إحداث قوى أمنية جديدة أكثر صرامة. الوضع هش للغاية وبوضوح، الاحتكاكات المحلية متأججة، والميليشيات تأخذ زمام الأمور على نحو متزايد.

الاستعراض الدولي

استشعارا بأهمية وخطورة حقيقة أن النظام العام في ليبيا بات خارجا عن السيطرة، نُظمت العديد من الاجتماعات الدولية في نوفمبر لمحاولة التوصل إلى حلول. لم تسفر كلها عن تقدم حقيقي، ويبقى المجتمع الدولي منقسما بشكل صارخ حول من على الأرض أولى بالدعم : الولايات المتحدة، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، والجزائر، وتركيا، وقطر يدعمون طرابلس في الغرب ، في حين أن روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا تدعم بنغازي في شرق البلاد.

في 31 أكتوبر، كان هناك لقاء في لندن بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ووزير الشؤون الخارجية البريطانى بوريس جونسون، ومندوبين من إيطاليا وفرنسا والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي الصادق الكبير ، ومدير المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، ورئيس الهيئة الليبية للاستثمارعلي محمد. وقد ناقشوا الحاجة إلى دمج الميليشيات في القوات الأمنية المؤسسية (الشرطة والجيش والحرس الرئاسي). كما ناقشوا الحاجة الملحة لاستئناف إنتاج النفط، بهدف ضخ مليون برميل يوميا. وبخلاف تحقيق الاستقرار السياسي في المدى القريب، فإن هذا الهدف قد يكون في الواقع واقعيا. لكن قمة لندن انتهت من دون نتيجة واضحة، وبلا مسار ملموس للمضي قدما. وانضمت بذلك إلى قائمة طويلة بالفعل من الفرص الضائعة لتسوية الوضع في ليبيا.

وبعد أسبوع، استضافت حكومة مالطا اجتماعا برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا(UNSMIL)، سعا إلى الخروج من المأزق السياسي. وتحدث وزير الخارجية المالطي عن الحاجة للحفاظ على ليبيا موحدة ، والظاهر أنه نسي أن ليبيا لم تكن دولة موحدة حقا بهوية وطنية فريدة، كما أكدتُ في مكان آخر. وعلى الرغم من جهود المبعوث الخاص إلى ليبيا مارتن كوبلر، تحقق القليل جدا في مالطا، بل وصف بعض الساسة من بنغازي ومناطق أخرى في برقة الاجتماع بمضيعة للوقت.

ظهرت ليبيا مرة أخرى في اجتماع دولي في 15 تشرين الثاني، في مؤتمر للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في بروكسل. هذه المرة، ركز القادة على جنوب ليبيا، والذي يعاني من تجزئة شديدة بسبب الانقسامات القبلية. ثم، بعد أسبوعين، عقد اجتماع آخر في روما.

حتى الآن، لا تزال ليبيا في حالة من الفوضى. على الرغم من كثرة الاجتماعات الدولية، لم تكن هناك أي اختراقات على الأرض . والشعب الليبي، يميل من جانبه، إلى عدم الثقة في حكومة السراج المدعومة من الأمم المتحدة وجميع هذه اللقاءات الدولية.

التدخل الدولي

يلقي انتخاب دونالد ترامب بعنصر جديد في ملف ليبيا. في كل من طرابلس (والمنطقة الغربية لطرابلس على نطاق أوسع) وبنغازي (برقة) – اللتين تختلفان على كل شيء تقريبا-، رحب كثيرون بنتائج الانتخابات الأميركية، بل هناك اقتناع بأن ذلك يمكن أن يسفر عن فوائد جديدة. هذا، على الرغم من حقيقة أن الرئيس المنتخب لا يبدو أن لديه أي اتصال مع الحكومة المدعومة دوليا في طرابلس، ولا يبدو أنه منشغل بقضية ليبيا بشكل عام.

بعض تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية مثل ( “لقد ابتعدنا عن عملية بناء أمتنا”) توحي بأنه سيُفلت مشاركة الولايات المتحدة في رقعة الشطرنج في ليبيا، ويترك مساحة أكبر لروسيا، ومصر، والإمارات العربية المتحدة. وهذا يعني المزيد من المساعدات للجنرال حفتر، الذي عاد لتوه من زيارته الرسمية الثانية إلى موسكو. وتحاول روسيا التأثير استراتيجيا على الصراع (تذكروا أفغانستان في سبعينيات القرن الماضي) من خلال دعم الحكومة في بنغازي عبر مصر ودول أخرى ، ومن خلال إرسال خبراء عسكريين وغير عسكريين. نظام الطيران بأكمله في المنطقة، على سبيل المثال، يشرف عليه الروس بأكمله، وصفقات تجارية مربحة في الأعمال بصدد التحقق.

وسط هذا الخضم ، يقدم سفراء دول أجنبية مختلفة أوراق اعتمادهم في طرابلس، على أمل واضح بأن السفارات ستفتح قريبا. ودون تحسن كبير في الوضع الأمني، فإنه من الصعب أن نرى كيف  أن هذا الأمر واقعي.

 لا اقتصاد بلا أمن

سكان ليبيا أكثر من ستة ملايين نسمة، ما يقرب من مليون منهم تحت سن 18. وبناء على معطيات لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يحتاج 1.3 مليون منهم للمساعدة الإنسانية. ولكن عدم الاستقرار المترسخ في ليبيا لا يساعد على تحقيق ذلك، ولا هو يساعد على ازدهار الاقتصاد، كما يبين تقرير الأمم المتحدة الأخير. بل إن التوقعات الاقتصادية الأخيرة تشير إلى انكماش بدرجة أكبر، بنسبة 5.2 في المئة وفقا للجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة لغرب آسيا. التضخم واصل نموه (من 2.6 في المئة في عام 2013 إلى 11 في المائة في عام 2016) واستمرت العملة الوطنية في الانخفاض. وفي غضون ذلك ، تقف البطالة، عند عتبة 19.2 في المئة على الأقل.

في آخر المطاف، تبقى مشاكل ليبيا الاقتصادية الحادة متجذرة بالطبع في الفراغ الأمني الذريع في البلاد.

هل هناك أي أمل لليبيا؟

هل يمكن أن تصبح البلاد متماسكة مرة أخرى؟ … في الشهر الماضي، أجاب السفير وينر في شهادته أمام الكونغرس بنعم: العملية ستكون صعبة، ولكن مسلسلا دبلوماسيا يمكن أن يذهب بالبلاد نحو الانتخابات ويجلب الاستقرار في نهاية المطاف.

ولكني لست مقتنعة.. هذه هي ليبيا طرابلس وبنغازي، ليبيا حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب، ليبيا السراج وحفتر … والولايات المتحدة وآخرون وروسيا وآخرون، وكوكبة معقدة من الميليشيات…. . وسط كل هذا، لم يبرز أي زعيم سياسي موحد للبلاد.

يجب على الليبيين ان يقرروا ما إذا كانت بلادهم ستصبح صومال جديدة، أو ما إذا كانوا سوف يتخذون خيارات صعبة (وتنازلات طبعا) لتوجيه البلاد في اتجاه مختلف. خلافهم هو جوهر المشكلة كلها، والجهات الدولية الفاعلة تُفاقم هذه الانقسامات باصطفافها مع هذا الجانب أو ذاك.

كما كتب كريم مزران من “المجلس الأطلسي” بحكمة: “أفضل نتيجة في ليبيا تكمن في التوصل إلى اتفاق متفاوض بشأنه لتقاسم السلطة ، ونهج سياسي واقتصادي توافقي يمكن أن يعكس المسار السلبي في البلاد ويضعها على الطريق نحو الوحدة والازدهار”. ولعل تحقيق هذا الهدف الطموح سوف يتطلب جهدا كبيرا من قبل الجميع، وقدرة نادرة للنظر، أخيرا، إلى الحقيقة.

عن موقع Lawfare الأميركي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق