
الفتاشة – قصة قصيرة للكاتب محمد المسلاتي
• الفتاشة / قصّة قصيرة
بقلم / محمد المسلاتي
استيقظت جدّتي الْيَوْمَ مبكرًا ، ليس غريبًا عنها ذلك ، فهي تُمارس عادتها اليومية منذ أن فتحت
عينيّ على الدنيا ، لكن ما لفت انتباهي وازعجني ، هو إصرارها على ايقاظي ، طفقت تنقرني على رأسي بعظام أصابع يديها ،أحرّك رأسي محاولًا الإفلات من دون جدوى ، نزعت عني اللحاف وهي تقول :-
– هيّا أيها الولد الخامل ، استيقظ ، ساعدني على طلاء عتبات الحجرات بالجير .
تململت في فراشي بتكاسل ، وتمطيت متثائبًا ،واصلت كلامها :-
– ماهذا النوم الذي يجثم عليك ، الْيَوْمَ أول أيام عاشوراء ، والليلة ستأتي الفتاشة ، علينا طلاء جميع العتبات بالجيرالأبيض.
– نهضت مستندًا برأسي على جدارالحجرة ، شعرت ببقايا طلاء الجدار القديم يتطاير نتفًا تلتصق بشعري ، لم تتح لي فرصة تنقيته مما علق به ، جذبتني جدّتي بقوة دافعة بي إلى خارج الحجرة ، باغتت عينيَي انفساحات أشعة شمس يوم مشرق ، اغمضتهمافي مواجهة صدمة الضوء ، رائحة بيتنا الترابي العتيق نفذت إلى أنفي ممزوجة بعبق الصابون السوسي، مع خليط الحمصيّة ، ساحة البيت مرتبكة ، وكأن جدّتي ترغب في إنجاز كل شيء الْيَوْمَ ، العرجون القديم يمتد بفروع سعفه عند حجرة خزين مقتنياتها العتيقة ، وجردل الماء المنبعج منكفيء بقرب السقيفة ، والحلة الفخارية تعانق كسكاسها بمحاذاة حفرة الموقد المسيّجة بثلاث صخور ناتئة الرؤوس حيث تناثر الفحم وأعواد حطب التنور ، انتبهت من سرحاني ، وتأملي على صوتها:-
– – بسرعة ، خذ إناء الجير ، واكمل طلاء عتبات الحجرات .
– لم أتلكأ ، شرعت في طلاء أول عتبة ، لا أعرف لماذا؟ كل سنة نفعل ذلك ، البداية تكون بعتبة المدخل الرئيس لبيتنا ، جميع الجيران يطلون عتبات بيوتهم ، يوم أمس كل عتبات بيوت شارعنا ، والشوارع المجاورة اكتست بالجير الأبيض ، بدت مثل أشرطة بيضاء ناصعة بلونها المغاير لطلاءات البيوت العتيقة. ، اشترك الرجال ، والأطفال ، خمنت لعلّهم يفعلون ذلك حتى لا تجتاز الفتاشة بيوتنا ،وتملأ بطوننا بالأحجار ،رفيقنا كراع الغزال اقترح علينا جمع الأحجار ، و الصخور المتناثرة في شارعنا ، و نقلها إلى مكان بعيد ، لكي لا تجد الفتاشة أيّ حجر، جارنا العجوز عندما شاهدنا نفعل ذلك ، ضحك ساخرًا وقال :-
– – لا جدوى مما تفعلونه ، الفتاشة لن تعجز ، ستجلب الحجر من أيّ مكان .
– أصابنا كلام العجوز بالإحباط، وازدادت رهبتنا من الفتاشة .
– ، جدّتي تقول لي دائمًا ، عندما يحين أول عاشوراء ، وهي تعد وجبة الكسكسي المطهي بعظام قديد عيد الأضحى :-
– – املأ معدتك بالكسكسي ، والعظام المقددة ، الفتاشة تستويها البطون الخاوية
– ، إذ لم تأكل جيدًا ستضع الفتاشة الأحجار في معدتك ،
– شعرت بكراهية شديدة تجاه الفتاشة ، تملكني خوف غريب منها ، لم أعرف ملامحها، تصورتها بوجه مخيف ، أوبألف وجه ، وأكثر من ذراع ، وعشرات المخالب الحادة تمكنها من بقر بُطُون الجوعى ، خشيت بعد أن أنام تستل معدتي في غفلة مني ، وتحشوني بالحجر ، وفتافيت. الصخور ، أصير إنسانًا بطنه من حجر ، وأتساءل عّم إذا كانت الفتاشة تزورنا ليلة عاشوراء فقط ، أم أنها تتخفى ، وتزورنا سرًا بقية أيام السنة؟ فكم من بطن جائعة ستمتليء بالحجر ؟ سألت جدّتي أكثر من مرة عن الفتاشة ، ومن أين تأتي ، وأين تذهب ؟ فلم تجبني ! ظلت الأسئلة معلقة بين سذاجة طفولتي، والأرض ، والسماء .
– •••••••••••••••••••••••••
–
–