قراءة في مبادرة رئيس المجلس الرئاسي
بقلم : زاهي بشير المغيربي
سوف أحاول في هذه المساحة طرح قراءة شخصية لخارطة الطريق التي قدمها السيد فائز مصطفى السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني للخروج من الأزمة التي تحيط بليبيا، والتي أثارت جدلا واسعا حول قبولها من حيث المبدأ أو حول حظوظ نجاحها وإمكانيات تطبيقها.
ملخص خارطة الطريق
استندت خارطة الطريق على النقاط التالية:
1- انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس 2018، لولاية قد تمتد إلى ثلاث سنوات أو عند الانتهاء من إعداد الدستور.
2- استمرار العمل بالاتفاق السياسي وحكومة الوفاق الوطني إلى حين إجراء الانتخابات وتسمية حكومة جديدة واعتمادها.
3- قيام المفوضية العليا للانتخابات، بالتنسيق مع الأمم المتحدة وبعض المنظمات الإقليمية، بالإعداد للانتخابات والإشراف عليها ومراقبتها.
4- قيام مجلس النواب ومجلس الدولة بتشكيل لجان للحوار في ما بينها، ومع مؤسسات المجتمع المدني، لإعداد مشروع قانون الانتخابات ومقترح التعديل الدستوري.
5- قيام حكومة الوفاق الوطني والمؤسسات القائمة بتوفير الإمكانيات وتهيئة الأجواء المناسبة لنجاحها.
6- الإعلان عن إيقاف القتال في جميع أنحاء البلاد إلا ما يخص مكافحة الإرهاب وفقا للاتفاق السياسي والمواثيق الدولية.
7- يشكل مجلس النواب ومجلس الدولة لجانا مشتركة لدمج مؤسسات الدولة المنقسمة.
8- قيام حكومة الوفاق الوطني بضمان توفير الخدمات واحتياجات المواطنين، والتزام مصرف ليبيا المركزي بتنفيذ سياسات نقدية عاجلة لحل مشكلة السيولة وضبط سعر صرف الدينار الليبي.
9- إنشاء مجلس للمصالحة الوطنية.
مقترح بتعديل خارطة الطريق
من الواضح أن خارطة الطريق تعمل ضمن إطار الاتفاق السياسي ومؤسساته وأنها تدشن لمرحلة انتقالية خامسة. ومن الواضح أيضا أنها تستند، ضمنيا على الأقل، على افتراضين أساسيين: افتراض تحكيم العقل والتسامح والتوافق بين الليبيين، وافتراض وجود طرف أو أطراف، داخلية أو خارجية، قادرة على “إقناع” مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي بتنفيذ هذه الخارطة.
ولكن إذا كنا قادرين بأنفسنا على تحكيم العقل والتسامح والتوافق وكانت هناك أطراف قادرة على “إقناع” مجلس النواب ومجلس الدولة بالجلوس معا لوضع قانون لانتخابات مجلس النواب ورئيس الجمهورية، وعلى إلزام كل الأطراف باحترام العملية الانتخابية وقبول نتائجها، فلماذا لا يتم توظيف هذه القدرة في تطبيق بنود الاتفاق السياسي والانتقال مباشرة إلى مرحلة الدولة والاستقرار المؤسسي والسياسي دون الحاجة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مؤقتة تلج بنا إلى مرحلة انتقالية خامسة؟
وفي تقديري أنه يمكن تعديل خارطة الطريق، وفي ضوء نفس الافتراضين، على النحو التالي:
1- يتفق مجلس النواب ومجلس الدولة على تعديل البنود الخلافية في مشروع الاتفاق السياسي، خاصة في ما يتعلق بالمادة الثامنة من المواد الإضافية، وعضوية مجلس الدولة، وتركيبة المجلس الرئاسي.
2- يقوم مجلس النواب بتعديل الإعلان الدستوري ودسترة الاتفاق السياسي.
3- يعتمد مجلس النواب حكومة الاتفاق الوطني.
4- تضع الهيأة التأسيسية مشروع دستور توافقي يستجيب للمطالب الشعبية، وتحيله إلى مجلس النواب.
5- يقوم مجلس النواب بإصدار قانون الاستفتاء على مشروع الدستور المحال من الهيأة التأسيسية.
6- يُجرى الاستفتاء الشعبي على مشروع الدستور.
7- في حالة قبول مشروع الدستور يقوم مجلس النواب، بالتنسيق مع مجلس الدولة، بوضع قوانين انتخاب الهيئات التي ينص عليها الدستور.
8- تُجرى انتخابات الهيئات التي ينص عليها الدستور، وتتولى السلطات المنتخبة الاختصاصات التي ينص عليها الدستور، وتنتهي ولاية مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني.
9- الموعد المقترح لاستكمال كل هذه الاستحقاقات هو 31 أغسطس 2018، أخذا في الاعتبار احتمال رفض المواطنين لمشروع الدستور في صياغته الأولى، ما يستلزم إعادة صياغته وطرحه للاستفتاء مرة ثانية، وما قد يتطلبه ذلك من فترة زمنية إضافية. وفي جميع الأحوال، وتحوطا لأي ظروف قاهرة، يكون الحد الأقصى هو 31 ديسمبر 2018.
10- يتم تحديد مواعيد إجراء الاستفتاء وانتخاب السلطات التي ينص عليها الدستور بالتنسيق مع المفوضية العليا للانتخابات.
مزايا المقترح المعدل
تجنب الدخول في مرحلة انتقالية خامسة قد تطول لأكثر من ثلاث سنوات، وقد يشوبها ما شاب المراحل التي سبقتها من عدم استقرار وتدني شرعية مؤسساتها.
إن انتخاب المؤسسات المنبثقة عن دستور معتمد شعبيا، يمنح تلك المؤسسات شرعية لن تحوزها السلطات المنتخبة انتخابا مؤقتا بناء على قوانين وترتيبات وضعتها سلطات تجاوزت مدتها وفقدت شرعيتها، ولأنها لم تُنتخب وفق دستور ارتضاه المجتمع عبر استفتاء شعبي ملزم.
تلافي الاستمرار بالعمل لثلاث سنوات قادمة أو أكثر بالإعلان الدستوري المعيب الذي أُدخلت عليه تسعة تعديلات حتى الآن ما يدل على عواره.
إن تأخير موعد الانتخابات قد يزيد من حظوظ نجاحها، ويمنح للمفوضية العليا للانتخابات مزيدا من الوقت للإعداد الجيد وتهيئة ظروف نجاحها.
الحظوظ الواقعية لخارطة الطريق
غني عن البيان أن نجاح خارطة الطريق، بأي من شقيها، يرتهن إلى تحقق الافتراضين الأساسيين التي استندت عليهما- سيادة العقل وروح التسامح والتوافق بين الليبيين، وقدرة طرف أو أطراف، داخلية أو خارجية، على “إقناع” مؤسسات الدولة وأطراف النزاع بالالتزام بخارطة الطريق وخطواتها. ومن الواضح أن هذين الافتراضين يستندان على سيناريو مسرف في التفاؤل ويعبران عن تفكير رغبوي أكثر من كونه قراءة موضوعية لواقع الحال في بلادنا، ولذلك فإن احتمال تطبيق أي من الخارطتين سوف يكون صعبا، وإن لم يكن مستحيلا، في ضوء المعطيات التالية:
إن تشبث كل طرف بمواقفه وتصلبه تجاه الأطراف الأخرى، لا يشي بإمكانية تبني هذه الأطراف لروح التسامح والتوافق وتحكيمها للعقل بسهولة وبصورة ذاتية خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة.
ليس هناك طرف أو أطراف داخلية تمتلك السلطة المعنوية أو المادية التي تمكنها من إلزام كل أطراف الصراع في أنحاء البلاد كافة بخارطة الطريق ونواتجها.
أن أقصى ما يمكن أن تقوم به الأطراف الخارجية، إذا افترضنا اتفاقها في ما بينها، هو إيقاف، أو التهديد بإيقاف، دعمها المادي والمعنوي للأطراف الليبية المتصارعة، وتقديم الدعم الفني والإداري والمالي للعمليات الانتخابية.
أن ضمان أمن الانتخابات وسلامتها ونزاهتها يرتهن إلى وجود قوات مسلحة وشرطة موحدة تسيطر على جميع أنحاء البلاد، وقادرة على فرض الأمن والأمان وسلطة القانون، وهو أمر غير متحقق حاليا. ومن غير المتوقع أن تقوم الأطراف الخارجية بإرسال قوات مسلحة لحفظ الأمن وضمان سلامة الانتخابات والالتزام بنتائجها.
وعلى الرغم من أن الأوضاع الراهنة، بكل تعقيداتها، قد تجعل من الصعوبة بمكان تنفيذ مثل هذه الخارطة، يظل من حقنا أن نحلم ونفكر رغبويا فكثير مما تحقق في تاريخ الإنسانية كان في البداية أحلاما ورغابا بدت مستحيلة وقتها. وفي ضوء ذلك، يفرض علينا الواجب الوطني أن نتشبث بالأمل ونرحب بأي مبادرة تسعى لإخراج الوطن من مستنقع الفوضى والانقسام والصراع المسلح وغياب الدولة، وتقويمها موضوعيا، وعدم رفضها بجرة قلم أو قبولها بصورة عمياء بناء على مواقف مسبقة تجاه مقدمها.
ويتعين في النهاية أن نقر بأننا نتحمل المسؤولية الرئيسة لما يعانيه الوطن وأن الخروج من هذا المأزق يتطلب عقولا رشيدة ونوايا صادقة وجهودا مثابرة وسواعد فتية وإرادات قوية وقلوبا همها الوطن. فهل من مستجيب؟