الشاعرة عائشة إدريس المغربي : ليس هناك معنى محددا للشعر انه يشبه الموسيقى وهل للموسيقى معنى؟
الشعر ليس دائماً لغة الخيال أو مجرد كلام موزون يخضع لقوافي وبحور وتفعيلات لكنه في عصرنا الذي صارت فيه المعرفة متاحة بشكل كبير لغة إنسانية راقية لايتمكن منها الا أصحاب الموهبة والموهبة فقط … فالشعر وإن كان قابلاً للدراسة والنقد لكن لايمكن تعلمه لأنه هبة الخالق ، والحوار مع الشعراء تكتسيه دائما هالات الخشوع للحرف فما بالك لو كان مع شاعرة رنين خلخالها الإبداع وتاجها الجرأة وقبلتها الحرية …. إنها الشاعرة والأديبة عائشة ادريس المغربي الليبية الإستثنائية التي لاتعرف غضاريف حروفها هزيمة الوجع تنطلق منها الكلمة لتنتمي الى الخلود صدر للشاعرة عائشة ادريس المغربي ديوانها الأول عام 1986 بعنوان الأشياء الطيبة وانطلقت تجربتها المتعددة الوجوه الى 5 دواوين شعرية ومسرحية ورواية(الأشياء الطيبة 86 البوح بسر انثاي 96 اميرة الورق 99 وصمت البنفسج والحياة الافتراضية للسعادة وهى اعمال شعرية ومسرحية بائعة الزهور 2013 ورواية يحدث 2013 . واعتقد ان هناك محطات إبداعية لعائشة لم تنشر بعد صدور انقطعت بعدها فترة سنوات لتعود بوهج جديد ومتطور ومختلف في ديوانها الذي صدر في القاهرة عن دار روافد 2017 . منذ عودتها للكتابة 2015 خلال انتقالها لفرنسا كتبت بزخم كبير ومتفرد وهى الان تعد 3 مجموعات شعرية أخرى للطباعة بعد سعادتها الافتراضية ناقلة دفة الشعر الى الانحياز للحياة والسعادة ومقاومة الحرب والموت بتربية الجمال وتطويعه . في هذا الحوار الصريح والدافئ انتقلنا مع عائشة الى عوالمها الجديدة وعلاقتها بالكتابة والحياة وتجربة الغربة واثرها على كتاباتها .وهكذا كان الحوار
1/ للبدايات دائما اثر لايغادر روح الشاعروقلبه كيف كان الامر معك؟
محاولاتي بدأت في عمر مبكر وكانت تلك المحاولات رغبة قوية في تغيير عالمي الواقعي الذي كنت احسه غير حقيقي نسبة الى احلامي الطفولية وعالمي الخيالي الذي كان أكثر اتساعا واشباعا لروحي. كانت رغبتي الشديدة في التحرر من القيود الاجتماعية تجد في الكتابة متنفسا لها وكنت أخلق جمهوري في تلك الفترة من رفيقات الطفولة واولاد الشارع مضحية بنصيبي من الحلوى او صوري الملونة وما املك من متع صغيرة كي يستمعوا الي. وكان الشارع رمزا قويا لتحرري في ذلك الوقت.
ثم كبرت قليلا وكبرت احلامي وبدأت النشر في مجلة البيت والاسبوع الثقافي وقبلها مجلة النهضة الكويتية
حتى خرج ديواني الأول (الأشياء الطيبة) في 1986.على كل حال نحن دائما في البدايات وربما اذكر ارتباط تلك الفترة باكتشاف دهشة الكتابة التي كنت اظنها ستجعلني أكثر حرية وأكثر تميزا.
2/ ما لذي يدفعك للكتابة؟
كل شيء ولا شيء! نعم كل ما في حياتي يدفع باتجاه الكتابة كل تلك التفاصيل الصغيرة التافهة التي لا معنى لها في اليومي تتشكل منها الصور العديدة لتصبح بعد ذلك نصا. الذاكرة وهي تنشط وتقودك في طرقات مراحل العمر شمالا جنوبا وشرقا وغربا الى الأعماق السحيقة البعيدة والقريبة كيفتمتزج وتتعانق مع بعضها وكيف تصبح نصا. الخيال الذي لا ينام ويحلق في حدائق الروح ويصور يقود الى الكتابة الحاجة الى الكلام الكتابة تنصت لنا وتمنحنا صوتا قويا يعبر عنا ويمنحنا لحظة قوية من الاشباع لكنها قصيرة كعمر الوردة ثم تخفت لتعود الرغبة اقوى وأكثر جوعا. انها لحظة من المتعة الخالصة والسعادة كإحساس العاشق الذي يلمس حبه لأولمرة، وهي دائما اول مرة في كل كتابة. تحس المتعة والنشوة في قلبك وجسدك ولكنها تكون ناقصة دوما لا تكتملابدا، طائرة من نص الى اخر تلاحق حالة اكتمال مستحيلة
3/ كيف نعرف الشعر؟ هل هناك قصيدة هي الأفضل في حياة الشاعر؟؟
ليس هناك معنى محددا للشعر انه يشبه الموسيقى وهل للموسيقى معنى؟؟ ربما الشعر يزرع شرفات الكائنات الوحيدة بالحب والسعادة والنعناع ……هذا هو الشعر كما احسه الان اغواء واغراء دائم بالحياة حتى ونحن نكتب عن الاسى والحزن والحرب فأننا نقشر الحياة من قسوتها لنلمس قلبها الناعم الجميل ونتوهم اننا نقبض على اجمل ما فيها.
4/ ديوانك الأخيرالحياة الافتراضية للسعادة.. هل السعادة حالة افتراضية لا تلمس الارض؟ماذا تعنيه لك السعادة الافتراضية؟
في هذا الكتاب احسست بقوة عظيمة تخرج من الكلمات وتتقد في حياتي. تبادلنا المحبة والكتابة في هذا الديوان المساندة والدعم والقدرة على خلق حياة موازية لفترة من حياتي كنت امر بوضع صعب ومعقد ومركب. الكتابة خلال هذه الفترة انقذتني وعدت للحياة بفضلها بفضل تلك القوة للكلمات استطعت ان أعيش السعادة واخلقها واسربها الى من حولي وابني بها سعادة افتراضية قوية ومشعة تتطاير وترقص وتضحك. هذا ليس وهما بل انه القوة الداخلية العميقة فينا التي تستيقظ لتدافع عنا وبنا عن الحياة. وهذه فلسفتي في الحياة:
لا تذبل ضحكةٌ وتموت
إلا وتنبت أخرى
في حدائق اللَّعب
هكذا أخبرتنا السَّعادة
ونحن نعبر خطَّ الخيال.
5/ كيف ترين المشهد الثقافي في ليبيا؟
اثق كثيرا في الأصوات الشابة الجريئة التي تدك بمعاول قاسية جدار التابوهات والمحرمات وتقفز برشاقة وجمال منقطع النظير. هذا ما يجعل ثقتي في الشعر تكبر انه سيخلق الجمال مجددا في الحياة الثقافية الراكدة لفترة طويلة خاصة ان الحركة النقدية خاملة ومهترئة وجامدة جدا …… مواقع التواصل الاجتماعي منحت الشابات والشباب فرصة كبيرة للخروج من الخوف. لقد تعلمت من هؤلاء (البنات والأولاد) الشجاعة والقوة والجرأة، منحوني حب الحياة مجددا.
6/ كيف ترين وضع المرأة في المجتمع الليبي وفق ما حققته المرأة من مكتسبات.. وفي ظل بعض المعطيات والقرارات هل أصبحت مهددة …؟
الوضع في غاية التعاسة للأسف ليس فقط لسيطرة التيارات السلفية والجهادية القمعية على الحياة وقتل حرية الفكر والابداع بل بموقف اغلبية النساء من قبول هيمنة الوصاية وتعميق النقص كأمر واقع والتخفي بالوسطية نتيجة ربما الخوف او التماثل مع ما يحدث في المجتمع وهذا ما يقود الى وجود جيل من الأمهات ينتجن جيلا حاملا لنفس فيروس التخلف والقمع ورفض مجابهة الحياة بالأسئلة بدل ارتداء جلابيب القبور. انه تفريخ مستمر للجهل والأفكار الظلامية. انا اشعر بالرعب لجيل قادم، جيل الحرب والكراهية والقمع.
7/ كيف تعيشين الغربة؟
ليس جديدا ان أعيش الغربة فانا كنت اعيشها وسط البلاد لفترة طويلة من عمري وكنت اقاتل لأجد لي مكانا اطل منه على قلب الوطن لكنه كان دائما مغلقا والنوافذ والابواب ليست لنا ولا يوجد مكان بعيدفي السور الكبير نطل منه على حديقته.
لقد وصلت لقناعة ان الكون يجب ان يتغير امام خانتين (الدين والجغرافيا) هذه الانتماءات والايديولوجيات لا تصبح معلنة بل شأن خاص بالإنسان وحده وفي قلبه مثلما يفضل نوع من الألوان او الديكور حتى تهدا او تنتفي العنصرية التي ترتبط بهم في هذه الحروب الجديدة.
حوار : رباح الزبير