الجانب الأمني، فعبرها يمكنها الحصول على الكثير من المعلومات وتتبع حركة المناوئين والموالين لها وتحريكهم حسب ما تسطره من أهداف تخدمها.
وعلى غرار الدول، قامت كل التنظيمات السياسية وأذرعها من ميليشيات معتدلة أو متطرفة أومن عصابات خارجة عن القانون بتأسيس جيوش إليكترونية، وظيفتها التجسس على الخصوم، وبث الفيروسات، ونشر الإشاعات، والقرصنة على الحسابات لاستخدامها بطرق قذرة، بل ووصل الأمر إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في عمليات الابتزاز والخطف والاغتيال وبثها على المباشر صوت وصورة بأحدث التقنيات، مما جعل هذه الوسائل رغم الهدف النبيل الذي صممت من أجله تحيد عن وظيفتها من قبل بعض مستخدميها الأشرار، لتتحول إلى أداة قتل وإرهاب وشر مستطير.
صار الناشط السياسي، أو المدني، أو حتى المواطن العادي الذي على حاله والذي ليس له في العير أو النفير، يحسب ألف حساب قبل أن يعلق على منشور ما أو يشاركه أو يضع له إعجاباً، فالشبكة للأسف انتهكت خصوصيتها وصارت مراقبة يمكن من خلالها القرصنة على رقمك السرّي من خلال رقم هاتفك، صارت تحت سيطرة المليشيات، أو الأطراف السياسية السابحة في فلكها، فأحياناً ترسل شبكة الهواتف رسائل إليكترونية لكل المشتركين فيها تؤيد طرفاً ضد آخر أو تقوم بالإشهار لفكرة ما تخدم هذا المتصارع ضد الآخر، وفي بعض الأحيان يبث من خلالها المفتي الديني الداعي للحرب والكراهية رسائله عبرها؛ ما أفقدها مصداقيتها ونزاهتها كمؤسسة تقدم خدمة لكل المواطنين.
يمكننا القول إن هذه الشبكة قد دخلت عالم الجريمة والإرهاب من خلال استخدام شرائحها وهواتفها في تفجيرات العبوات اللاصقة التي طالت الكثير من ضباط الجيش الليبي والناشطين السياسيين وشيوخ الدين المعتدلين وغيرهم.
وبقدر ما كانت منابر التواصل الاجتماعي فسحة حققها العلم لنصرة الديمقراطية وإتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن رأيهم بحرية على الشبكة، كانت أيضاً سبباً رئيسياً في موت وخطف وابتزاز وتهديد العديد من الأسماء في المشهد السياسي الليبي، حيث صار التهديد عبر وسائل التواصل يؤخذ مأخذ جد يتوجب الحذر، وإن أمكن الفرار قبل فوات الأوان.
ذات مرّة، التقيت بصديق يناصر طرفاً سياسياً ما، وكان بيننا احترام وثقة، خاصة في شهور ثورة فبراير الأولى، فطلب مني أن أساعده في البحث عن شباب أو ربات بيوت أو حتى ريبوتات تقوم بضغط إعجاب أو التعليق بصورة إيجابية على صفحتهم الممولة في الفيس بوك مقابل راتب شهري ثابت يبدأ من 200 دينار، وقلت له “وماذا لو كان المنشور لم يعجب الشباب أو ربات البيوت أو لم يقتنعوا بفحواه؟”، قال “هذا عمل، أن يعجبهم أو يقتنعون به أم لا فتلك مسألة أخرى نحن ندفع ونريد خدمة بسيطة ضغطة إصبع أو سطرين تؤيد المنشور، فلنرمي إذن بالمشاعر والقناعات بعيداً”، قلت له “آسف الأمر صعب ومستحيل وعندما أطلب من أي شاب أن يقوم بذلك فكأنني أهنته أو انتهكت عرضه وشرفه”، قال “يا رجل لا تكبّر المسألة، أعتقد أنك مثقف وقرأت كتاب الأمير لميكافيللي وحكمته، الغاية تبرر الوسيلة، وغايتنا و أيم الله كريمة وشريفة”، ولكن آنذاك كنت أغادر المقهى، قال “العن الشيطان ارجع يا رجل أكمل قهوتك وبريوشك على الأقل”، لكن لم أجبه.
خارج المقهى كانت السماء تغسلني بغزارة، وكنت أضغط لها إعجاب وإعجاب وإعجاب، وعندما ومض البرق في رحمها لم أضع أصبعي في أذني سريعاً، كانت زمجرة الرعد تعبر عني فعلاً.