جمعة الفاخري ومحاضرته الموسومَةَ بـ(إِرْهَاصَاتٌ فِي الأَدَبِ الرِّيَاضِيِّ)
ألقيْتُ مساءَ الأحد 8 يناير 2017م مُحَاضرتي الموسومَةَ بـ(إِرْهَاصَاتٌ فِي الأَدَبِ الرِّيَاضِيِّ)، وقد ابتدرْتُهَا بتوطئةٍ مُبَيِّنًا فيها أهمِّيَّةَ الْمُحَاضَرَةِ التي يُمْلِيهَا رَاهِنُ الإِعْلامِ الرِّيَاضِيِّ العَرَبِيِّ بِمَا فِيهِ مِنْ أَخَطَاءَ وَقُصُورٍ وَتَرَنُّحٍ، وبحثٍ عنِ الذَّاتِ، وهيَ فِي الأصَلِ عددٌ منَ التَّسَاؤُلاتِ المُلِحَّةِ كانَ لزامًا عَرْضُهَا وَتِبْيَانُهَا عَلَّهَا تَجِدُ إِجَابَاتٍ شَافيَةً مُسْتَقبلاً.. وهيَ إرهاصةٌ مُهِمَّةٌ لتأسيسِ مَا أُسَمِّيهِ اجتهَادًا (الأدبَ الرِّياضِيَّ) بحثًا عن مُلْتَقِطٍ فَطِنٍ ذِي هِمَّةٍ عَاليَةٍ، وعزيمَةٍ مُتَّقِدَةٍ، وَقَنَاعَاتٍ وَافِيَةٍ للبَدْءِ في بنَاءِ أَدبٍ رِيَاضِيٍّ نَاضِجٍ لَهُ هُوِيَّتُهُ الوَاضِحَةُ، وَسِمَاتُهُ المُتَفَرِّدَةُ، وَقَوَاعِدُهُ وضوابِطُهُ مُنْطَلقًا مِنَ الثَّقافَةِ والأَدَبِ العَرَبِيَّيْنِ، مُتَّخِذًا مِنَ اللُّغَةِ العربيَّةِ مَعِينًا مُعِينًا على بنَاءِ دَعَامَاتِهِ، أَدَبٍ رِيَاضِيٍّ ذِي هُوِيَّةٍ مُتَمِيِّزَةٍ لا تَتَأَثَّرُ بِمُؤَثِّرَاتِ ثَقَافَةِ الآخرِ الْمَشْبُوهَةِ، المُشَوَّهَةِ والمُشَوِّهَةِ، ولا بِغَايَاتٍ برغمَاتيَّةٍ مستوردَةٍ تُضْمِرُ في طَيَّاتِهَا نِيَّاتٍ غَيْرَ سَوِيَّةٍ، وَتُخْفِي في أَعْمَاقِهَا أهدافًا ملتوِيَةً.
ثمَّ عرَّجْتُ على مفهوم الأدبِ، وتعريفاته المتعدِّدةِ. وعلى مَاهِيَّةِ الأَدَبِ الرِّيَاضِيِّ، ومدى استفِادَةِ الأَدَبِ الرِّياضيِّ من غيرِهِ منَ الآدابِ.
وعن أَوْلَوِيَّاتِ ثَقَافَةِ الأَدِيبِ الرِّيَاضِيِّ،
ثمَّ سَرَدْتُ بَعْضَ الكَلِمَاتِ الدَّخِيلَةِ عَنِ الأَدَبِ الرِّيَاضِيِّ.
وعددًا منَ الكَلِمَاتِ الأَجْنبيَّةِ التي تبرزٌ في الإِعْلامِ الرِّيَاضِيِّ العَرَبِيِّ:
كما عدَّدتُ ألفاظًا حربيَّةً مستعارةً منَ القَامُوسِ الحَرْبِيِّ.
ثمَّ حذَّرْتُ من عددٍ كبيرٍ من أَخْطَاءٍ في فِقْهِ اللُّغَةِ الرِّيَاضِيِّ:
قبل أن آتي على ذكر بعض التَّعْبِيرَاتِ الَّتي تُسِئُ لِلرِّيَاضَةِ.
حتَّى وصلْتُ إلى الخَاتِمَةِ التالية:
” خِتَامًا.. في زمنٍ تصطرعُ فيه الحَضَاراتُ، وَتَتَصَادَمُ لِتَأْكِيدِ ذَوَاتِهَا وَهُوِيَّاتِهَا بِكُلَّ ما هُوَ مُتَاحٌ، زَمَنٍ تَسُودُ فيهِ ثَقَافَةُ الإِقْصَاءِ وَالقَمْعِ وَالإِزَاحَةِ، سَعْيًا لإِثْبَاتِ الذَّاتِ، لأَجْلِ البَقَاءِ وَلَوْ عَلَى أَنْقَاضِ الآخَرِ.. ووَسْطَ هذهِ التَّجاذبَاتِ نَحْنُ أَحْوَجُ ما نكونُ إلى إيجادِ أدبٍ فاعلٍ يَتَّخِذُ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ مَرْجِعِيَّةً أمينةً تقفُ في وَجْهِ أَعَاصِيرِ التَّغْرِيبِ، وَالاسْتِلابِ الثَّقَافِيِّ، وَمُحَاوَلاتِ تَلْهِيجِ المُفَصَّحِ بدعاوى كثيرةٍ، ومبرارتٍ واهيةٍ، وبطرائقَ متعدِّدَةٍ مُتَّخِذَةً من أبنائِهَا أنفسِهِم أدواتٍ لتنفيذِ مُخَطَّطَاتِهَا وَغَايَاتِهَا.. ولن تَعْجَزَ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمُعْجِزَةُ بآبناِئِهَا البَرَرَةِ المُخْلِصِينَ، عَنِ استيعَابِ دَورِهَا التَّارِيخِيِّ في تأكيدِ الهُوِيَّةِ العَرَبِيَّةِ والإيفَاءِ بِمَهَامِهَا.. وإنجازِ مَا يَرَاهُ بعضُنَا صَعْبًا أو مُسْتَحِيلًا.. فَهْيَ لَنْ تَعْجَزَ وَلا أَبْنَاؤُهَا عَنِ الاهْتِدَاءِ إِلَى أَدَبٍ رِيَاضِيٍّ مُنْتَمٍ لأَصْلٍ طَيِّبٍ ثَابِتٍ ضَارِبٍ في أَعْمَاقِ التَّاريخِ، وَفِرْعُهُ فِي السَّمَاءِ فَهْيَ لُغَةُ القُرْآنِ الكَرِيمِ..
إِنَّ الابتعادَ عن لُغَتِنَا العربيَّةِ، وَإِهْمَالَ استعمَالِهَا، وَإِقْصَاءَ ثَقَافَتِنَا العَرَبِيَّةِ الأَصِيلَةِ نُطْقًا وَكِتَابَةً، هُوَ نَوْعٌ منَ الإِذْعَانِ لِلآخَرِ الَّذِي يَجْتَهِدُ بِسَعْيٍ دَؤُوبِ لِفَرْضِ لُغَتِهِ وَثَقَافَتِهِ وَإِمْلاءَاتِهِ عَلَيْنَا، وَمِنْ ثَمَّ إِلْغَاءِ الْهُوِيَّةِ العَرَبِيَّةِ وَطَمْسِهَا، وَإِخْمَادِ صَوْتِهَا، وَالإِقْلالِ مِنْ عَدَدِ مُرِيدِيهَا وَمُنَاصِرِيهَا، بِابْتِعَادِ أَبْنَائِهَا عَنْهَا، فـ ( فِي زَحْمَةِ الطِّوَالِ لا يُسْمَعُ لِقَصِيرٍ صُوتٌ..) وَهَذَهِ اللُّغَةُ العَبْقَرِيَّةُ العَظِيمَةُ فيها مِنَ الكُنُوزِ ما لم يُكْتَشَفُ بَعْدُ ؛ فـ ( تحتَ الرُّغوَةِ اللَّبنُ الصَّرِيحُ..)
ونحنُ فِي انْتِظَارِ أَنْ يَلْتَقِطَ هَذِهِ الإِرْهَاصَةَ العَجْلَى أَحَدُ أَبْنَاءِ العَرَبِيَّةِ الغَيُورِينَ الْبَرَرَةِ لِتَأْسِيسِ أَدَبٍ رِيَاضِيٍّ حَدِيثٍ يُرْضِي الطُّمُوحَ، وَيُلْغِي الجُمُوحَ، وَيُوقِفُ الانْسِيَاقَ المَهِينَ، وَالتَهَافُتَ المُخْجِلَ عَلَى فِتَاتِ الآخَرِ المَسْمُومِ.
وفِي خِتَامِ مُحَاضَرَتِي اِقْتَرَحْتُ عددًا منَ التَّوْصِيَاتِ الَّتِي أَرَاهَا مُهِمَّةً جِدًّا لِلتَّأْسِيسِ لِمُعْجِمٍ رِيَاضِيٍّ مُوَحَّدٍ يُقَدِّمُ المَعْرِفَةَ والمَعْلُومَاتِ المَطْلُوبَةَ للعاملينَ بِحَقْلِ الإِعْلَامِ الرِّيَاضِيِّ بِكُلِّ أَقْنِيَتِهِ وَوَسَائِطِهِ:
أوَّلاً – إيجادُ توصيفٍ وظيفيٍّ وَاضِحٍ للأدبِ الرِّياضِيِّ، وَتِبْيَانُ مَفْهُومِهِ وَأَهْدَافِهِ وَمَرِجِعِيَّاتِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَاهِمُ بِفَاعِلِيَّةٍ فِي إِيْضَاحِ كثيرٍ مِنَ المَفَاهِيمِ الرِّيَاضِيَّةِ، وَتَفْسِيرِ القَوَاِنينِ وَاللَّوَائِحِ الرِّيَاضِيَّةِ.
ثانيًا – إِيْلَاءُ اللُّغَةِ العَرِبيَّةِ اِهْتِمَامًا أَكْثَرَ، وَالتَّشديدُ على إجادَتِهَا، لكلِّ من يَدْخُلُ مَجَالاتِ الإِعْلامِ الرِّيَاضِيِّ، وَعَدَمُ التَّهَاوُنِ فِي التَّعَامُلِ بها.
ثالثًا – نَبْذُ التَّعَابِيرِ العَامِّيَّةِ، وَالمُسْتَورَدَةِ الدَّخِيلَةِ، فيمَا نكتُبُهُ ونصفُ بِهِ الأحدَاثَ الرِّيَاضِيَّةَ في مَجَالاتِ الرِّيَاضَةِ كَافَّةً، وَوَأْدُ مُحَاوَلاتِ تَلْهِيجِ الخِطَابِ الرِّيَاضِيِّ فِي كُلِّ صُورِهِ، وَذَلكَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى تَجَنُّبِ استخدَامِ اللَّهْجَاتِ العَامِّيَّةِ أَثْنَاءَ التَّعْلِيقَاتِ وَالتَّحْلِيلَاتِ الرِّيَاضِيِّةِ، وَالْكِتَابَةِ الصُّحُفِيَّةِ بِأَنْوَاعِهَا.
رابعًا – إِعَادَةُ قِرَاءَةِ رَاهِنِ أَدِبِنَا الرِّيَاضِيِّ بِمَوْضُوعِيَّةٍ وَشَفَافِيَّةٍ، وَمُكَاشَفَةِ النَّفْسِ، وَمُرَاجَعَةِ أَدَبِنَا الرِّيَاضِيِّ المُشَوَّشِ، سَعْيًا إلى إِخْرَاجِهِ مِنْ حَالَتَي انْعِدَامِ الوَزْنِ وَالْبَحْثِ عَنِ الذَّاتِ الَّتي يتَرَنَّحُ فيهما.
خامسًا – التَّأْكِيدُ على أَهَمِّيَّةِ استخدَامِ التَّقَانَةِ الحَدِيثَةِ لتطويرِ الإعْلامِ الرِّيَاضِيِّ، لاسيِّما المَلْفُوظِ كَالتَّعْلِيقَاتِ وَالتَّحْلِيلاِتِ الرِّيَاضِيَّةِ.
سادسًا – ضَرُورَةُ اضطلاعِ مَجَامِعِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ باعتمَادِ تَرْجَمَاتٍ وَاضِحَةٍ وَمُنَاسِبَةٍ لِلْأَلْفَاظِ الرِّيَاضِيَّةِ غَيْرِ العَرَبِيَّةِ، وتعميمُهَا على العاملينَ في الإعلامِ الرِّيَاضِيِّ من خلالِ صحفٍ أو مجلاتٍ أو نشريَّاتٍ مُتَخَصِّصَةٍ لِتَحَاشِيهَا.
سابعًا – تَحْدِيدُ مُصْطَلَحَاتٍ فَصِيحَةٍ وَاضِحَةٍ وَسَهْلَةٍ لِلْمُسَمِّيَاتِ الرِّيَاضِيَّةِ، وَالاتِّفَاقُ عَلَى بَدَائِلَ لُغَوِيَّةٍ مُقْنَعَةٍ لِلتَّعَابِيرِ الخَاطِئَةِ الشَّائِعَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ وَأَقْلامٍ أَهْلِ هَذَا المَيْدَانِ.
ثامنًا – إِقَامَةُ النَّدَوَاتِ وَالْمُؤتَمَراتِ وَالْمُحَاضَرَاتِ المُوَجَّهَةِ، التي تَصُبُّ في خَانَةِ تَأْكِيدِ الأَدَبِ الرِّيَاضِيِّ الوَظِيفِيِّ.
تاسعًا – مُحَارَبَةُ الأَخْطَاءِ الشَّائِعَةِ فِي تَعْلِيقَاتِنَا الرِّياضِيَّةِ وَالصِّحَفِيَّةِ، وَعَدُمُ الانْجِرَافِ خَلْفَ غَبَاوَةِ الخَطَأِ الجِسِيمِ الْمُغَرِّرِ: ” خَطأٌ مشهورٌ خيرٌ من صوابٍ مهجورٍ ” ففضيلَةُ الاعترَافِ بالخطأِ، أفضلُ من رذيلَةِ الإِمْعَانِ فِيهِ.
عاشرًا – تَشْجِيعُ المُبْدِعِينَ من أهلِ الكفاءاتِ والقُدَرَاتِ اللُّغَوِيَّةِ على وَضْعِ أُسُسِ الأَدَبِ الرِّيَاضِيِّ العربيِّ، وَذَلِكَ بالمُسَاهَمَةِ بالتَّألِيفِ والبحثِ والمُحَاضَرَاتِ التي تَخْدُمُ هَذَا المَأْرِبَ، ولتسريعِ تنفيذِ هذا المُنْجِزِ الحَضَارِيِّ القَوْمِيِّ المُهِمِّ.
أَحَدَ عَشَرَ – إِضَافَةُ مَادَةِ (الأَدَبِ الرِّيَاضِيِّ) إلى المَنَاهِجِ الدِّرَاسِيَّةِ التَّخَصُّصِيَّةِ العَرَبِيَّةِ، لا سِيَّمَا الجَامِعِيَّةِ والعُلْيَا بِكُلِّ أَقْطَارِ الوَطَنِ العربيِّ.
الحضور كان رائعًا، وتفاعلهم مع المحاضرة كانَ جميلاً.
شكرًا لكلِّ التحضيرين والمنتضمين بالدورة ..
– عن صفحة الكاتب الاديب جمعة الفاخري