مقالات

القوة وتوازن القوى في السياسة الدولية

بقلم: نورا آدم جويده

القوة وتوازن القوى في السياسة الدولية

بقلم: نورا آدم جويده

 

يعد مفهوم القوة من المفاهيم الأساسية في علم السياسة، وهو الحاكم الأساسي للعلاقات بين الدول، إن القوة في العلاقات الدولية أشبه بالعملة النقدية في حياتنا اليومية، بمعنى أنه كلما كانت الدولة تحوز على كم أكبر من القوة كان بإمكانها الحصول على مصالح أكبر في البيئة الدولية. وترتبط قوة الدولة بمدى وجود مقدرات مسخرة لتحقيق الأهداف والمصالح العليا للدولة.

تحتاج الدولة لإن تستخدم قوتها أو تشير إليها، أو تلوح بها، أو أن تفرضها في العلاقات الدولية حتى تحصل على هذه المصالح، ولا يكفي حيازة القوة دون توظيفها لتحقيق المصالح العليا للدولة.

عناصر القوة:

بعض التيارات الفكرية التقليدية حصرت مفهوم القوة في القوة المادية الصلبة، قوة الإكراه العسكري، والقوة الاقتصادية. ولكن مع انتهاء الحرب الباردة وبروز مفهوم العولمة وتأثيرها، تغير مفهوم القوة وأصبح مفهوماً ديناميكياً غير ثابت يدخل في تكوينه عدد كبير من العناصر المادية وغير المادية، بحيث لم يعد بإمكاننا حصر قوة الدولة بمجرد المقارنة بين الترسانات الموجودة، أو حجم الانفاق العسكري، ومن هنا تشكل مفهوم القوة الناعمة من قبل “جوزبف ناي” الذي طور هذا المفهوم من مصطلح قوة الاستتباع غير القهرية، عرَف “ناي” القوة الناعمة بأنها جعل الآخرين يرغبون بما ترغب به، وهي تشمل قوة النموذج وجاذبية الثقافة وسمو القيم ومبادئها وامتلاك الخصائص التي تجعل الآخرين يتطلعون لهذه الدولة باعتبارها نموذجاً يحتذى ومصدراً للإلهام، بحيث تصبح قيمك وثقافتك ومبادئك وطريقتك في الحياة هي النموذج الذي يودون احتذائه، ومن هنا نرى على سبيل المثال القوة الناعمة الأكثر تأثيراً في العالم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فرضت شكلاً من أشكال السلام الذي يتناسب مع مصالحها، ليس باستخدام القوة الصلبة فحسب، وإنما لعبت القوة الناعمة المتمثلة في قوة الثقافة الامريكية وجاذبية النظام السياسي دوراً كبيراً, ومن هنا يمكننا فهم القوة الناعمة باعتبارها الضلع الثالث لمثلث القوة، (قوة الاكراه وقوة المكافأة وقوة الالهام).

إن النظام الدولي مزيج من الفوضى والصراع المستمر، وعملية السعي للحصول على القوة عملية مستمرة، فالحصول على القوة هدفه تعظيم المصالح، وتعظيم المصالح تعني زيادة القوة، وتعتبر أيضاً عملية عكسية، فالدول التي تفقد مصالحها تفقد جزءاً من قوتها، والدول التي تفقد قوتها تقفد جزءاً من مصالحها، وهكذا، وبمجرد حصول هذا الفراغ فإن الدول الأخرى تسعى للحصول على هذه المصلحة، هذا الشكل من العلاقة بين الدول في البيئة الدولية يؤدي إلى وجود ثلاث معضلات، أولها معضلة توازن القوى، فالدول دائماً تسعى لأن توازن قوتها بخصومها. هذا التوازن أما أن يتم عن طريق زيادة وتعظيم قوة الدولة، أو أن تدخل في تحالفات مع دول أخرى، أو أن تعمل على تقويض قوة الخصم، أما عن طريق المقاطعات الاقتصادية، أو الحروب بالوكالة، أو حروب اقتصادية، أو عمليات تخريب وغيرها.

المعضلة الثانية، وهي المعضلة الأمنية، أي أن الدول لم يعد بإمكانها الوثوق ببعضها بمجرد حصول الدولة (أ) على قوة فإن الدولة (ب) تسعى الى زيادة قوتها، وبمجرد حصولها على هذه القوة فإن الدولة (أ) تسعى أيضاً إلى زيادة قوتها، وهذا الأمر يقود إلى المعضلة الثالثة، وهي معضلة سباق التسلح، ويؤدي هذا السباق إلى استنزاف موارد الدولة حيث يذهب جلها إلى زيادة قوة الدولة وتخصيص موارد كان من المفترض أن تذهب إلى التنمية، على سبيل المثال هناك سباق تسلح في منطقة الشرق الاوسط ،وهي الدول الخمسة، السعودية والامارات وايران وتركيا ومصر. هذا السباق قاد إلى إضعاف اقتصادات هذه الدول، وبالأخص إيران التي تعاني من العقوبات الاقتصادية أيضاً، عندما تدخل الدولة في هذا النزاع فأمامها مسارين أساسيين:

إما مسار “المعادلة الصفرية”، أي دولة تكسب كل شيء، ودولة تخسر كل شيء، أو معادلة “الكل رابح”، بحيث تتفق الدولتان على توزيع المكاسب حتى وإن كان توزيعاً غير عادل، الأمر الذي يضمن حالة من السلام المؤقت.

من أهم أدوات تعزيز القوة في العلاقات الدولية هي الحرب، فمن خلال الحرب يعاد توزيع القوى سواءً بمعادلة الكل رابح أو المعادلة الصفرية، حيث تنتج الحرب قوى أكثر قوة من السابق، أو قوى خسرت قوتها، أو أن تؤدي إلى أن يخسر طرفا الحرب قوتهما، خسارة القوة تعني أن هناك مصالح تم فقدانها منهما، وبالتالي تسعى دول أخرى صاعدة للحصول على هذه المصالح، وبمجرد حصولها تضاف قوة إلى قوتها، وبالتالي يعاد توزيع توازن القوى من جديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق