حواراتمنوعات

فاطمة الشريف تُعيد صياغة الحياة للمُبصرين

حاورتها: فريحة المريمي

شابة في مقتبل العمر كانت محط أنظار الجميع حينما أحتفت بها الحكومة الليبية المؤقتة لنيلها الترتيب من الأوائل في الشهادة الثانوية وكونها تملك طلاقة اللسان وثقافة متميزة في مثل عمرها بحثتُ عنها كثيراً وشاء القدر أن ألتقيها مُصادفةِ على مواقعِ التواصل الإجتماعي أستأذنت منها وحاورتها كما ماستقرأونه وتشاطِروننِي الإعجاب بها والدعاء لها أن يُسدد الله خطاها وأتمنى أن تكون لنا مواقع وصحف بلغة الإبصار لتعيش لحظة اللقاء وكأنها ترى وتسمع في آن واحد .

س : من هي فاطمة الشريف التي تميزت عن غيرها حتى وجدتني أبحثُ عنها لأحاورها اليوم عبر صحيفة برنيق ؟

– فاطمة عبد الله الشريف ، كفيفة البصر ، طالبة بكلية الإعلام جامعة بنغازي – قسم الإذاعة والتلفزيون ، عضو بالمنظمة الليبية لحقوق ذوي الإعاقة البصرية ، مواليد عام 2000 ، فقدت البصر منذ 8 سنوات مضت .

س : لستِ ببعيد أنك فقدت البصر ماسبب ذلك؟

– أصبت بضغط العين “المياه الزرقاء” فجأة في عام 2011 ترددت إلى المستشفيات في ليبيا لكن لا أحد أكتشف سبب رجوع النظر إلى الوراء بدون سابق إنذار من دكتور إلى آخر ومن مستشفى إلى آخر حتى سافرنا مصر ، هناك أخبرونا أن يجب علينا اللحاق مما تبقى من النظر والسفر إلى أوربا لأن المياه الزرقاء بدأت تُضْمر في العصب البصري . رجعنا إلى ليبيا وحاولنا مع العديد من اللجان للسفر إلى الخارج لكن لم يحدث ذلك ، حتى مرور سنة في 2012  فقدت البصر نهائيًا عندما كنت بالصف السادس الإبتدائي ، عندما تحول الضمور العصبي إلى تلف أعصاب العين بالكامل .

س : كيف كانت ردة فعلك بعد ذلك من ناحية تقبلك للوضع بعد فقدك للبصر من مواصلتك الدراسة وتأقلمك مع الحياة بعد تغييرها؟

– كانت ردة الفعل طبيعية جدًا ، الحقيقة لم أتأثر كثيرًا ، النقلة من عالم الأبصار إلى كف البصر كانت تجربة غير سيئة ، خضت فيها العديد من المغامرات ، وكان للتعب فيها بعد التكلل بالنجاح طعم آخر . أنتقلت فورًا من الدراسة في مدرسة عامة إلى الدراسة في جمعية الكفيف بنغازي ، عند إلتحاقي بها تعلمت طريقة برايل في وقت قياسي ، كُرِمت حينها على مستوى ليبيا بأسرع من تعلم طريقة برايل في غضون أسبوعين . أكملت دراستي بها حتى الصف الثالث إعدادي ثم بالمرحلة الثانوية إنتقلت إلى مدرسة عامة للدراسة تحت الإندماج التربوي ، كنت أول تجربة إندماج تربوي لقسم تعليم واندماج الفئات الخاصة. درست بـمدرسة نور الحرية الثانوية ثلاث سنوات وخرجت من الثانوية العامة “الصف الثالث الثانوي” من الأوائل على مستوى الحكومة الليبية المؤقتة .

س: نعم علمت أنكِ حظيتِ من أوائل الثانوية العامة هل أستمريتي بتكملة دراستك العلمية وأي مجال اخترتي؟ ولماذا؟

– نعم رغم كل العقبات والعراقيل أستمريت ، والآن أدرس بقسم الإذاعة والتلفزيون – كلية الإعلام – جامعة بنغازي . أخترت الإعلام لأن مجاله واسع يحوي على معلومات من شتى العلوم ، وأنا أتعطش للعلم كـعطش الرحالة للماء في منتصف الصحراء ، وأطمح لأكون ذاك الإنسان المثقف الواعي المُطلع . كانت لي تجارب إعلامية شتى قبل دخولي للمرحلة الجامعية ، مثل مسابقة المذيع الصغير في المرحلة الإعدادية حصلت فيها على ترتيب متقدم ، وأيضًا بالمرحلة الثانوية في مسابقة مذيع المستقبل على مستوى بنغازي تحصلت فيها على درع التميز لـعام 2018 م .

س : هل الإعاقة عرقلت مسيرتك؟

– أبداً ، الإعاقة كانت إنطلاقة لـحياة جديدة ، لفرص جديدة ، لتجارب ومغامرات جديدة . بالإرادة نتغلب على الإعاقة ، لا أنكر بأن هناك صعوبات ، وعراقيل قد واجهت مسيرتي ، لكن تجاوزها كان ليس بالشيء المستحيل . الصعوبات تتمثل في : توفير المناهج الدراسية ، الإمكانات وحاجات الخاصة بذوي الإعاقة في التعليم .

س: هل تكتببن وأنا أتحاور معكِ ببرنامج لغة الإبصار أم أن هناك من يعاونك على الطباعة ودخولك لمواقع التواصل الإجتماعي؟

– للمكفوفين كامل الإستقلالية في تعاملهم مع جميع مواقع التواصل الاجتماعي سواء عن طريق الحاسوب أو الهاتف الجوال دون الحاجة لأي مرافق يساعدنا في ذلك . يكون تعاملنا مع جميع المواقع عن طريق برامج قارئة الشاشة “البرامج الناطقة” التي يتم تحميلها من الإنترنت وترفق للأجهزة لتُناسب ذوي الإعاقة البصرية ، أو يكون تعاملنا معها عن طريق سطر إلكتروني صغير يتصل بالحاسوب أو الموبايل ليظهر لنا كل ما هو على الشاشة على السطر الإلكتروني بطريقة برايل “طريقة الكتابة والقراءة للمكفوفين” .

س : رائع وقد شاهدتُ ذلك بجمعية الكفيف درنه ولدي دراية بذلك أي أنكِ تسمعين ماأكتبة لكِ؟ كما لاحظتُ أن لا أخطاء أملائية لديكِ وهذا ممتاز جداً ليجعلني أسألك عن خطتك المستقبلية بعد إكمال دراستكِ الجامعية في تخصصك ؟

– أطمح لإكمال دراستي بالماستر والدكتوراة بإذن الله ، وأطمح لتصحيح صورة الإعلام المشوهة في بلادنا ، عندنا بعض الناس عند سماعهم لكلمة إعلام يربط الإعلام بالحروب والفتن والقتل والحديث الغير هادف ، وأتمنى أن يكون لنا في بلادنا إعلام مدني يهدف إلى التثقيف والترفيه تحت معايير أدبية بعيدًا عن الحروب والمعارك . أملك رسالة للمجتمع بما تخص ذوي الإعاقة أطمح لإثبات لهم أن المعاق لا يختلف عنهم إلا بفقدان أحد الحواس أو الأطراف ، عدا ذلك كلنا لنا ذات الحقوق والواجبات كلنا سواسية . أصحاب الإعاقة يستطعون القيام بكل ما يقوم به الشخص سليم الحواس والأطراف لكن بطريقة مختلفة في النهاية تؤدي إلى نفس النتيجة . أود أن يكون لنا إعلام هادف له العديد من الأهداف الخيّرة .

س: من قدوتك أعلامياً وفي الحياة على كل الأصعدة؟

– إعلامياً يجذبني الإعلامي العربي جورج القرداحي وبرامجه الثقافية التي يقدمها ومحتواه القيم الذي يعرضه ، لأننا نفتقر لهذا النوع من البرامج في التلفزيون الليبي . لو سمحت لي الفرصة لإعداد أو تقديم لمثل هذا النوع من البرامج عندنا لن أتردد في فعلها . والقدوة في الحياة ليس هناك شخصًا محدد بعد قدوة الإسلام والبشرية -عليه الصلاة والسلام- فـكل شخص أقابله أقتاد به في بعض الأشياء أو المهن أو الممارسات ، كـمعلميَّ في الجامعة من دكاترة وأساتذة وإعلاميين كبار سواء على المستوى المحلي أو العربي .

س : هل كونتي صداقات عبر مواقع التواصل الإجتماعي وبرزتي محلياً وعربياً أقصد هل لك مشاركات في برامج أو ندوات أو نشاطات بذوي الإعاقة؟

– لي أصدقاء كثر من داخل وخارج ليبيا منهم من تجمعنا مواقع التواصل ليس غير . كان لي بعض المشاركات كملتقيات ذوي الإعاقة في ليبيا ، وورش العمل في شتى المجالات ، وبعض الندوات التي تخص المرأة والطفل وذوي الإعاقة ، وبعض المشاركات الإعلامية في التلفزيونات والإذاعات المسموعة . تحصلت على العديد من الشهادات في مجالات مختلفة وشاركت في دورات كـدورات اللغات الإنجليزية والإيطالية ، وفن الإلقاء ، والإسعافات الأولية ، والكتابة والتحرير ، ولي مشاركات في كتابة القصة القصيرة التي تحصلت بها الترتيب الأول على مستوى بنغازي ، ومشاركتي في مسابقة القصة القصيرة التي أقامتها دار نشر بالقاهرة تحصلت فيها على ترتيب متقدم من العشرة الأوائل ، ولي بعض المشاركات الفنية من جانب الموسيقى والأدبية أيضاً .

س : ماذا تنصحين المحبطين من ذوي الإعاقة الذين يملكون مهارات ولايستخدمونها ؟

– لكل شخص سواء كان معاق أَم لا يملك مهارات لكنه في بعض الأحيان يجهلها ، يجب أن نبحث في أعماقنا عن ما نحب ونرغب حتى نخرجه ونعمل على تنميته وتطويره . مهاراتنا لن تخرج وحدها من تلقاء نفسها إذ لم نخرجها نحن بإرادتنا ونثبت ذواتنا لتحقيق غاياتنا .

س : هل تواجهين أسئلة محرجة من البعض سواء بطريقة مباشرة أو دون قصد في كل يومك البيت الجامعة مكان عام مناسبة أجتماعية؟ وكيف تتصرفين إزاء الموقف؟

– هذا النوع من الأسئلة والعبارات لابد من مواجهته شبه يوميًا أينما حللت ، كقولهم في المناسبات الاجتماعية ، مسكينة صغيرة وتعاني وسخرية البعض على السوشيال ميديا بأن لابد من أن هناك أحد يكتب لنا ولسنا من نقوم بالتحكم والكتابة على السوشيال ميديا . أنا أعتدت الأسئلة بجميع أنواعها حتى ولو كانت بطريقة غير لائقة ولَبِقة ، فلذلك أستقبل بعضها بالضحك والمزاح وبطريقة فكاهية ، خصوصًا تلك الأسئلة النابعة من براءة الطفولة من أحد الأطفال : “أنت ما تشوفيش كيفنا” ، أحاول أن أبسط لهم فكرة أن هناك أناس يختلفون عنا بنقصان الأطراف أو الحواس بطريقة طفولية مبسطة حتى يأتي جيل مثقف متعلم يمتلك فن التعامل مع الناس . في الجامعة عادةً تكون الأسئلة عن طريقة أو كيفية الدراسة والإيجابة تكون عادية يعني ، شخصياً لا أتحرج من إعاقتي بتاتًا ، لكن لا أنكر الذكر أن بعض ذوي الإعاقة البصرية يتحسسون من لفظ أعمى ، أما بالنسبة لي لفظ عادي جداً ، لكونه مذكور حتى في القرآن الكريم ، المسميات كثيرة والمقصود واحد .

س : قلتِ أن لكِ مساهمات أدبية هل نشرت لك صحف محلية وعربية مشاركاتك؟ أو تمت دعوتِك من أمسيات وأصبوحات للأدب والثقافة ببنغازي او خارجها؟

– لم تحن لي الفرصة للنشر في الصحف ، لكن شاركت في أصبوحات وأمسيات في بنغازي ، ومشاركات أدبية في إحتفالات وكذا ، كما إني عضو في مشروع صناعة القراء العربي، وهو المشروع العربي في فرع ” نورني” الجانب المختص لذوي الإعاقة البصرية لتوفير الكتب المسموعة أو المكتوبة نصيًا .

س : هل تودين قول شي لم أطرحه عليه؟

– فقط أحب أن أذكر أن أمي وأبي هما الداعم الأول والأخير في كل ما أنجزت حتى ولو كان بسيطاً ، أطال الله في عمريهما ويبقيان لي دائمًا أقوى داعم .

س : كلمة عتاب وكلمة شكر لمن توجيهينها وتختمين بها حواري معكِ على أن تتحقق كل أمانيك في ماتتمنين وأكثر؟

– الشكر إلى من دعم فئة ذوي الإعاقة حتى ولو بكلمة ، وعلى وجه الخصوص شكراً لكل من كان بجانب ودعمني وشجعني وكان لي عونًا لـتخطي المصاعب . كلمة عتاب لكل مسؤول في الدولة عن إهمالهم لذوي الإعاقة في جميع المرافق والمؤسسات ، لتقصيرهم في حقنا ، وكثرة أقوالهم وقلة أفعالهم التي لم نرى منها حتى القليل على أرض الواقع كانت كلها كلمات دُوِّنَت على المواقع .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق