مقالات

تقدير موقف: سقف لاهاي اليوناني..!*

بقلم: أحمد الحسين التهامي

وما نظنه مؤقتًا قد يغدو دائمًا… من هذا الملخص ننطلق في مقاربة الشأن السياسي الليبي؛ فخط سرت- الجفرة ليس فقط خط مكاني انه منذ السادس من يونيو الماضي تحول إلى خط زماني ايضًا ؛ أي إنه ثمة ماهو قبل السادس من يونيو وثمة ماهو بعده …

فنحن اليوم بمواجهة تعقيد أكبر للحرب في ليبيا إذ إختلطت مُعطيات الواقع الليبي بالواقع الإقليمي والدولي فليس من السهل والحال هذه أن نخرج بتنبؤات مستقبلية تخص تطور الأحداث لاحقًا… لكننا سنغامر بقراءة ذات حسابات دقيقة جدًا ومعقدة جدًا؛ فعلى أي حال ثمة خطوط عريضة ارتسمت في الارض، يمكننا أن نحاول قراءتها وبناء موقف منها مع الإقرار بالتعقيد وتقبل كونه غدا أمرًا لصيقًا بالشأن الليبي.

و أول الخطوط العريضة المرسومة والتي يتجاهلها الكثيرون بل تتعمد الأمم المتحدة أحيانًا التحذير منها كأنها لم تقع هو التشابه الكامل بين الملفين الليبي والسوري فالأمر اليوم تجاوز حد التشابه الذي أنكره كثيرون من مختلف الأطراف …ثمة اليوم ترابط بين الملفين وليس مجرد تشابه ..!

فكل تطور في الموقف التركي بخصوص المشهد الليبي يجب ان يبحث عن تفسيره هناك في الشمال السوري … وهذا كان هدفًا ظاهرًا للرئيس التركي منذ أسرع إلى موسكو غداة توقيع إتفاقه مع السراج، واليوم يزداد الأمر تشابكًا إذ تبين إن الولايات المتحدة تسيطر بقوات عسكرية على مناطق إنتاج البترول في سوريا، و روسيا تدعم الجيش الوطني الليبي الذي يسيطر على مناطق الإنتاج و موانئ التصدير…كل مكسب لتركيا في الشمال السوري قد يترجم إلى تساهل تركي في المشهد الليبي والعكس صحيح مع اعتبارات أخرى.

فالشمال السوري هو المنطقة المحاذية للبطن الرخوة التركية … أي مناطق اكراد تركيا ومناطق تواجد حزب العمال الكردستاني وهذا يعني تهديدًا من الدرجة الأولى لأمن الدولة التركية هذا معطى واحد ووجه واحد للمسألة المعقدة في ليبيا وثمة وجوه اخرى ……

فمثلًا التفاهم الوفاق /التركي الأمني والبحري غدا وثيقة مكتوبة تزداد أهميتها يومًا بعد آخر خاصة مع ازدياد ردود الفعل ضد الطموحات التركية في غاز ونفط المتوسط وليس العكس كما حدث مع توقيع الاتفاق المصري/اليوناني بشأن الحدود البحرية، إذ بادر بعض المحللين بالقول إنه انهى الاتفاق التركي الوفاقي وفي الحقيقة إنه زاد من اهمية هذه الوثيقة، و أعطاها قيمة مضاعفة، وبالتالي زاد أيضًا من أهمية الحكومة الوفاقية الهشة بالنسبة لمصالح تركيا؛ فتركيا دخلت إلى حملة التنقيب والمسح في المتوسط بحثًا عن الغاز والنفط بسياسية فرد العضلات لا بمنطق القانون الدولي.

لدى تركيا فائض قوة تميل إلى تحويله إلى حل سحري لأزماتها الإقتصادية الخانقة على حساب اليونان .. واليونان من جهتها وعلى لسان رئيس وزراءها اعتبرت أنها ستضطر للشكوى إلى لاهاي إن لم ترتدع تركيا عن تعدياتها وهذا يكشف لك سقف كل تحرك اوربي داعم لليونان .. سيكتفي بالتهويش ولن يتحول إلى حرب مهما حدث ..!

وهذا يجعل وثيقة السراج / اردوغان في غاية الأهمية إذ ستواصل تركيا حملة التنقيب والمسح وسوف تحتج بأن مسألة الحدود البحرية في المتوسط موضع خلاف بين دول المتوسط وإنه ليست تركيا لوحدها من يقول بهذا، بل ثمة حكومة أخرى تقول هذا هي حكومة الوفاق، وإن إعطاء اليونان حدودًا بحرية جديدة، سيكون على حساب الحدود الليبية /التركية المشتركة في المتوسط، ومسألة الحجاج الديبلوماسي هذه قد تمتد عقودًا بحالها دون أي تغيير في الموقف..!

.:. إذن ليس ثمة مصلحة تركية حالية في أي تغيير جذري أو تفاوض جذري على تغيير حكومة الوفاق بل ستحافظ عليها؛ و على التحالف الهش الذي شكلها، وحاليًا ستحافظ على اسم رئيسها ايضًا السراج…

من جهة أخرى فإن الثمانية عشر ألف مقاتل سوري سيذوبون في الصحراء خلال أيام لو فكرت تركيا في تطوير الهجوم على سرت/ الجفرة، وهذا مايكشف حملة الكذب التي تورطت فيها الوفاق غداة السادس من يونيو الماضي…

اما في الحسبة الروسية والمطالبة بتقديم تنازلات لتركيا في الشمال السوري، فإن سلوكها السابق في الازمة يقول انها كانت تؤقت كل تقدم للجيش السوري على وقع انعقاد مؤتمر السلام في سوتشي أي إنها تبادل تقدم الجيش السوري الحكومي في مقابل تقديم دستور يناسب قوى المعارضة وقد تكرر روسيا اللعبة نفسها في ليبيا وهي لعبة مربحة لكل الأطراف طبعًا …

و اليوم مسار سوتشي مجمد وهذا ايضًا يعني تجميدًا بالموقف في ليبيا… وهكذا فإن مانظنه مؤقتًا قد يصبح دائمًا..!

* نشر بمجلة المقال السياسي الالكترونية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق