مقالات

فلتكن السياسة الاقتصادية المناسبة في الوقت المناسب

فلتكن السياسة الاقتصادية المناسبة في الوقت المناسب

بقلم: د. محمد عبدالجليل بوسنينة

لازلنا نخلط بين معالجة تداعيات أزمة مستجدة وهي جائحة فيروس كورونا المستجد ، ومعالجة معضلات اقتصادية متأصلة ( chronical ) في الاقتصاد الوطني . وفي تقديري لا يجوز استغلال ظرف الجائحة للمطالبة بتطبيق سياسات اقتصادية ، حتى وان كانت صحيحة في الظروف العادية ، وغض النظر عن تداعياتها على حياة الناس ومستوى معيشتهم . فالمطالبة برفع الدعم عن الوقود حتى مع التعويض النقدي ، لا بد ان تكون له بعض الآثار السلبية على الناس في المدي القصير ، رغم قناعتنا بان دعم الوقود سبب رئيسي لتهريبه واختلاف سعره من منطقة إلى أخرى ، ولكن مع ذلك هناك دول خفظت أسعار المحروقات لمساعدة الناس على تجاوز الأزمة رغم انها كانت قد رفعت الدعم عنها في فترة سابقة ، ودول قدمت إعانات نقدية شهرية للمواطنين وصلت إلى 2000 دولار شهريًا لكل أسرة لفترة محددة والى ان تمر أزمة جائحة كورونا . رفع الدعم عن الوقود ، يعني ارتفاع أسعاره في المحطات ، وقد لا يتوفر أصلا لمختلف الأسباب ولعل أهمها توقف استخراج النفط وتصديره . وينطبق نفس القول على سعر الصرف . نحن ندرك ان سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي لم يعد توازني ، وأنه سبب في الكثير من التشوهات في الاقتصاد الوطني ، لعل اقلها السوق السوداء للنقد الأجنبي وعجز الموازنة العامة في ظل انفلات الإنفاق العام وعجز ميزان المدفوعات ، وتعديل سعر الصرف صار مطلبا ملحا لمعالجة هذه التشوهات و المختنقات ومطلبًا كافيًا لالتئام مجلس ادارة مصرف ليبيا المركزي واجتماعه ، غير ان تغيير سعر الصرف ( تخفيض سعر صرف الدينار الليبي ) سيؤدي إلى تغيير كافة الأسعار ، بدون استثناء ، لكل السلع والخدمات ، المنتجة محليًا والمستوردة على حد سواء ، وسيكون هذا التغيير بالارتفاع ، بدرجات متفاوتة في المدى القصير والى ان يستقر السوق ، فهل رفع سعر أية سلعة مرحب به ومقبول في الوقت الحاضر ( وقت مجابهة جائحة كورونا ) . وبالمثل فان التفكير في رفع الرسم على مبيعات النقد الأجنبي ، في الوقت الحاضر ، لن يزيد الأمر الا سوءا ، فهو اجراء تورط فيه الاقتصاد الليبي وتم اللجوء اليه اضطرارا وليس اختيارا ، حيث كان الأجدى في عام 2018 تعديل سعر الصرف الرسمي باجراءات رسمية يتخذها المصرف المركزي ولا تتدخل فيها الحومة بشكل مباشر . الان أصبحت المطالبة برفع الرسم المفروض على سعر الصرف سياسة يهدف من ورائها معالجة العجز في ميزان المدفوعات وتمويل الميزانية العامة ، وذلك خلافا للمتعارف عليه والأهداف المرجوة من وراء فرض رسم على سعر الصرف . لن تودي زيادة الرسم على سعر الصرف إلى تخفيض العجز في ميزان المدفوعات ولن تودي إلى معالجة العجز في الميزانية العامة السنوية ، في ظل الحجم الكبير للدين العام الذى تجاوز المائة مليار دينار . النتيجة الحتمية لزيادة الرسم في الوقت الحاضر ارتفاع أسعار السلع والمزيد من المضاربات على النقد الأجنبي في ظل عدم إمكانية فرض السعر الجديد على كافة المعاملات للقطاع العام والقطاع الخاص . باختصار شديد الوقت غير مناسب لمعالجة دعم المحروقات وغير مناسب لتعديل الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي ، ولا حتى مناسب لترشيد الإنفاق العام بعيدا عن الفساد ، وغير مناسب لمعالجة المشاكل المزمنة في الاقتصاد الوطني . دعوا هذه الأزمة تمر بسلام ، وبعدها لكل حادث حديت .
ا.د . محمد ابوسنينة
26 مارس 2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق