الاتفاق السياسي الليبي.. اليوم الأخير
لم تنجح حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج منذ اعلان تشكيلها بموجب اتفاق “الصخيرات” التاريخي الذي تمّ توقيعه بين الفرقاء في ديسمبر 2015 ، في الحصول على ثقة البرلمان نتيجة استمرار الخلاف.
وبحلول يوم السبت 17 ديسمبر المنصرم تكون مدة عمل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق قد انتهت وسط حالة من الغموض حول مستقبل الاتفاق الليبي.
ويدخل المشهد السياسي الليبي في مرحلة شديدة التعقيد في ظل امكانية رفض التمديد لحكومة الوفاق وما يمكن ان ينجر عن ذلك من فوضى واضطرابات.
وتسود توقعات بأن الأطراف المعارضة للاتفاق السياسي ستبدأ بشن هجوم للسعي لإسقاطه رغم أن الأمم المتحدة التي رعت هذا الاتفاق السياسي، اعتبرت في تصريحات على لسان مبعوثها لدى ليبيا مارتن كوبلر، أن “عمر حكومة الوفاق المنصوص عليه في الاتفاق السياسي هو عام من تاريخ اعتماد مجلس النواب للاتفاق السياسي وهو ما لم يحدث بعد”.
تطورات
ويحظى الاتفاق السياسي بدعم دولي واسع، لاسيما من دول كبرى كبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة التي أرسلت طيرانها لدعم قوات حكومة الوفاق في حربها ضد تنظيم داعش في سرت. ومؤخراً دعم المجتمع الدولي إعلان المجلس الرئاسي،إطلاقه لجهاز الحرس الرئاسي، حيث صرح ممثلو دول بريطانيا وكندا وإيطاليا بأنها ستسعى لتسليح عناصر الجهاز من خلال تأييدها لطلب سيتقدم به المجلس الرئاسي لمجلس الأمن لاستنثائه من حظر التسليح المفروض على ليبيا.فيما أكدت فرنسا مجددًا على لسان وزير خارجيتها، جان مارك إيرولت،في بيان نشرته وزارة الخارجية الفرنسية عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، دعمها حكومة الوفاق الوطني والجهود التي تبذلها من أجل تحقيق المصالحة وإرساء الأمن وإدارة موارد البلاد لما فيه مصلحة جميع الليبيين.
وبموازاة ذلك لا تزال العاصمة طرابلس تعيش على وقع صدامات عنيفة بين مجموعات مسلحة تتبع للفصائل المتنازعة. ويشكو سكان المدينة من تكرار المواجهات المسلحة في أحيائهم؛ التي تفرض إغلاق الطرق ونشر آليات عسكرية في الشوارع الرئيسة.يأتى ذللك وسط تقارير تشير الى امكانية تدخل الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في طرابلس لتحريرها من المليشيات.وفي هذا السياق،نقلت جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية،تصريحات للناطق باسم الجيش الليبي، العقيد أحمد المسماري، أعلن فيها عما سماه “جهوزية قوات الجيش لمعركة طرابلس المترقبة”، معتبرًا أن “طرابلس هدف استراتيجي للعمليات العسكرية الخاصة بالقضاء على الإرهاب”.ولا يستبعد مراقبون أن يتقدم الجيش الليبي غربا نحو العاصمة عبر الطريق الساحلي الذي يربط شرق ليبيا بغربها، حيث أعطى المشير حفتر تعليماته للجيش بالاستعداد لتحرير العاصمة طرابلس.
دبلوماسية عربية
إلى ذلك؛ يستمر الحراك الدبلوماسي الدولي بحثا عن مخرج للوضع المتأزم في ليبيا.حيث انتقل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى الجزائر للقاء نظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وذلك لبحث تطورات الأزمة الراهنة في ليبيا وأخذ زمام المبادرة لجمع الفرقاء الليبيين.وتتحدث أوساط دبلوماسية عن تقارب كبير بين الموقفين التونسي والجزائري من الأزمة الليبية، جعل البلدين يكثفان جهودهما المشتركة من أجل جمع أطراف النزاع على طاولة الحوار.ويسعى الطرفان لضم القاهرة إلى محور يجمع دول الجوار العربي لليبيا بحثا عن حلول توافقية خاصة في ظل التقارب الأخير بين الجزائر ومصر.
هذا وكانت القاهرة قد استضافت مؤخرا اجتماعا لعدد من الشخصيات الفاعلة في المشهد الليبي بحثا عن نقاط الخلاف الجوهرية التي ينبغي حلها في العاجل، وأطلعت الخارجية المصرية المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر على نتائج اللقاء خلال زيارة قام بها الخميس 15/12/2016 إلى العاصمة المصرية.وقد جاء كوبلر إلى القاهرة فور انتهاء الاجتماعات الليبية-المصرية، التي جرت على مدار يومين، واستهدفت التوفيق بين عدد من الأطراف المتصارعة في ليبيا، للوصول إلى حل للأزمة المتفاقمة في البلاد.
وقد جاءت اجتماعات القاهرة على خلفية لقاءات مهمة شهدتها العاصمة المصرية خلال الفترات الماضية؛ حيث استقبلت سابقا رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، وكذلك رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج والمشير خليفة حفتر والمبعوث الأممي كوبلر.غيرأن القاهرة لم تنجح في ترتيب لقاءات مباشرة بين أطراف الأزمة الليبية،ما دعا إلى عقد هذه الاجتماعات التي تعد الأهم على صعيد حل الأزمة الليبية.
دعوات
من جهة أخرى،دعت وزارة الخارجية التركية،جميع الجهات الفاعلة في ليبيا إلى حل الخلافات عبر الوسائل التصالحية والتحرك بحكمة دون اللجوء إلى ممارسة العنف. وأشارت الخارجية، في بيان لها، إلى مرور عام على توقيع الاتفاق السياسي الليبي الذي يمثل خارطة طريق لجهود تأسيس الأمن والاستقرار مجددا في ليبيا ضمن إطار عملية سياسية شاملة.وأوضحت أن “أنقرة” شاركت في جميع مراحل العملية السياسية في ليبيا، وهي ملتزمة بتفعيل الهياكل السياسية المشكلة عبر الاتفاق السياسي وتنفيذ الأهداف المحددة في إطاره، مشيرة إلى أن تركيا تعتبر المجلس الرئاسي والمؤسسات المعنية في الاتفاق السياسي، محاور شرعية وحيدة في ليبيا، وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي.
وفي سياق متصل، دعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أطراف النزاع الليبي إلى تجنب التهديد باستخدام القوة العسكرية والاحتكام للحوار والمصالحة من أجل إنقاذ البلاد.وجدد جونسون موقف بلاده الداعم لحكومة الوفاق الوطني؛ داعيا إلى التمسك باتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة أساسا للحل.
من جانبه،أعرب السفير البريطاني لدى ليبيا، بيتر ميليت،في مقال نُشر له على موقع وزارة الخارجية البريطانية،عن إحباطه من عدم التقدم نحو تحقيق ما نص عليه الاتفاق السياسي في الصخيرات منذ العام الماضي، والذي وصفه بأنه كان “بطيئًا” وغاب عنه الالتزام بالتواريخ المحددة، ومنها ضرورة انسحاب الميليشيات من جميع المدن والمناطق السكنية في مدة لا تتجاوز 30 يومًا من توقيع وقف إطلاق النار، وكذا منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني من قبل مجلس النواب في مدة أقصاها عشرة أيام.
ودعا ميليت الى التركيز على الاتفاق السياسي الليبي.قائلا:” فحسب علمي، الاتفاقية ليست نصًا مقدسًا وهناك مجال لمراجعتها إذا اتفق الليبيون على الذهاب في هذا الاتجاه”.كما أكد السفير البريطاني أن المصالحة الوطنية يمكن أن تتحقق فقط بين الليبيين، الذين عليهم وحدهم اتخاذ القرارات المهمة، مضيفًا أن المجتمع الدولي دوره يقتصر على تسهيل انعقاد عملية الحوار، وتشجيع الأطراف على التوافق، وأن يقوم بتصميم وتنفيذ برامج الدعم ،مشددا على أن مدة تولي حكومة الوفاق لم تنته. كما طالب جميع الأطراف بمضاعفة الجهود من أجل تحقيق السلام والاستقرار والازدهار الذي يطمح إليه الشعب الليبي وبات في حاجة ماسة له.
ويتطلع المجتمع الدولي إلى انهاء النزاع في ليبيا عبر توحيد السلطتين في حكومة واحدة تلقى مساندة دولية.ويرى مراقبون،أن الاتفاق السياسي الموقّع بين الطرفين المتنافسين في الصخيرات المغربية بتاريخ 17 ديسمبر 2015 ، لن يصمد طويلا على أرض الواقع لأن الموقعين عليه لا يمتلكون سلطة على معظم الميليشيات المسلحة،إظافة إلى تحفظات كبرى عبّر عنها الرافضون لبنوده وأولهم رئيسا مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام اللذان صرحا بأنهما لم يخولا احد بتمثيلهما ولم يفوضا احد بالتوقيع على اتفاق الصخيرات، ووصفا حكومة التوافق المُتمخّضة عنه بأنها لم تكن نتاج حوار ليبي ليبي.