حروب العطش
بمناسبة اليوم العربي للمياه 3 مارس 2018.
حروب العطش
بقلم / هيدروجيولوجي: فوزي الشريف سعيد، مدير المركز الفني لإدارة المكامن الجوفية بجهاز تنفيذ وادارة مشروع النهر الصناعي .
من المعروف ان الصراع الظاهر للعيان في العالم والذى يتخذ من منطقتنا العربية الممتدة من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي مسرحاً وحلبة لهذا الصراع، هو صراع على مصادر الطاقة المتمثلة في النفط والغاز، هذا المكون الذى اودعه الله باطن ارضنا العربية منذ مئات الملايين من السنيين عندما كانت تغطي مياه البحار معظم أجزاء اليابسة ، حيث وصلت مياه البحار في شمال افريقيا في تلك الآونة حسب الدراسات الجيولوجية وتحديداً في ليبيا الى الي سفوح جبال تيبيستي جنوباً والتي تمثل الحافة الغربية لحوض الكفرة ، وظلت تلك الثروة قابعة في باطن الأرض الى ان تم استكشافها في بداية ستينيات القرن الماضي من قبل شركات التنقيب عن النفط.
ان منطقتنا العربية والتي جزأت الى مغرب عربي وشرق أوسط قد تعرضت للتقسيم والاستعمار في بدايات القرن الماضيبغرض التوسع والهيمنة،وشهدت اراضيها وبحارها خرابا ودمارا جراء اعظم حروب التاريخ البشرى والتي لسنا طرفاً فيهاوليس لنا فيها ناقة ولا جمل ، وهى الحربين العالميتين الأولي والثانية بين دول جاءتنا عبر البحار واستباحت الأرض والسماء بدعوى الدفاع عن مصالحها التي ليس لنا فيها صالح ولأطالح، وهذا كله حدث قبل اكتشاف مصادر الطاقة : النفط والغاز.
وبعد اكتشاف المخزون النفطي الهائل بمنطقتنا العربية وخاصة ليبيا واكتشفت معه خزانات جوفية ضخمة من المياه الجوفية، زادت الأوضاع سوءاً فبدلا من ان يصبح النفط خيرا ونعمة على الشعوب العربيةاصبح نقمة عليها وزاد تكالب الدول الاستعمارية القديمة للاستحواذ عليه ، وجاءت هذه الدول بثوب جديد واستعمار حديث هذه الدول التي لازالت ترى ان لها حقوقا في بلادنا ومصالح لا يمكنالاستغناء عنها مهما كانت الأسباب باعتبارها مستعمرات قديمة لها.
وبالرغم ان منطقتنا العربية هي مهبط الديانات السماوية ومبعث الأنبياء والرسل ومنشأ الحضارات الا ان ذلك كله لم يشفع لنا عند هذه الدول ، فما زالت هذه الدول وستبقى الى ان يغير الله حالنا هي الوكيل والمسئول على اقتصادنا وأمننا بحجة أننا دول نامية او متخلفة لم ترق الى مصاف الدول المتقدمة، فقد صدقوا في ذلك وهم كاذبون، فهم سبب تخلفنا وقهرنا بسبب سياستهم الممنهجة لتحويلنا الى دويلات تدور في فلكهم وتنجذب اليهم ولا تستطيع الافلات منهم، كما يدور القمر حول الأرض فهو تابع لها لا يستطيع الاقترابمنها ولا الابتعاد عنها فهو يضيئها ويهب لها الحياه وهو ميت، ونحن كذلك نفطنا وغازنا ومواردنا تضيئ دولهم وتهب لهم الحياة والنماء ونحن في الظلام والفقر والتخلف قابعين.
وليس ذلك وحسب فهناك حرب أخري قديمة وحديثة وغير منظورة لمعظمنا وتستهدف حياة العرب في بلادهم وتستهدف أمنهم واستقرارهم، وربما ستؤدي مستقبلا الى تغيير الخارطة الجغرافية والبشرية لمنطقتنا بالكامل وهى حرب وشيكة الوقوع، وهى كالجمر تحت الرماد، هذه الحرب تقودها وتمولها دول ترى في الحرب على الجنس العربي والقضاء عليه واجباً دينياًوعقدياً، انها الحرب على منابع وعلى موارد المياه في المنطقة العربية والإسلامية بصورة عامة.فمن المعروف ان موارد المياه الطبيعية في الوطن العربي تتمثل في موردين هما المياه السطحية والمياه الجوفية. فالمياه السطحية وهى التي تتجمع من مياه الأمطار على هيأةوديان وسيول تتجمع خلف السدود، ومياه الأنهار والتي تتغذى غالبا من مصادر خارج حدود الوطن العربي، وحيث ان مياه الأنهار او المياه السطحية بصورة عامة هي اهم موارد المياه العذبة في الوطن العربي نظراً لوفرتها وسهولة الوصول اليها واستغلالها في مجالات مهمة كقطاع الزراعة الذى يعتبر اهم قطاع في توفير الغذاء للشعوب التي تمر بها هذه الأنهار، كذلك في مجال انتاج وتوفير الطاقة الكهربائية والذي يعتبر المفتاح الرئيس لكل الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
اما بالنسبة للمياه الجوفية فهي عموماً ليست محل نزاع على الأقل في الوقت الحالي، لذلك فلن يتم التطرق الى مصادر المياه الجوفية باعتبارها مصادر للمياه تقع داخل حدود الدول وكل دولة تنتج وتستغل هذه المياه حسب قدراتها الاقتصادية، وبالرغم من وجود مؤسسات إقليمية وعالمية تتبع الأمم المتحدة تعمل على تنظيم استغلال الأحواض الجوفية المشتركة من خلال اعداد قواعد بيانات لمراقبة الكميات المنتجة من الأحواض المشتركةواعداد نماذج رياضية هيدروجيولوجية لمعرفة تأثير سحب المياه الجوفية على مناسيب المياه الجوفية بالدول المشتركة بنفس الخزان الجوفي، وبالتالي اعداد سياسات مناسبة وملزمة لإدارة المخزون الجوفي بما يضمن استغلالاً آمناً وأمثل يضمن حق كل دولة في المخزون الجوفي المشترك، الا ان هذه السياسات لا تطبق على ارض الواقع بصورة مرضية لجميع الأطراف. وسيتم التطرق بصورة عامة الى الوضع المائي في ليبيا باعتبارها تعتمد اعتماداً شبه كلي على المياه الجوفية.
ورجوعا الى المياه السطحية بالوطن العربي وأهمها نهر النيل ونهرا دجلة والفرات وبعض الأنهار الأخرىمثل نهر الأردن ونهر بانياس ونهر اليرموك ونهر الحاصباني ونهر الليطاني، حيث تعتبر كل هذه الأنهار هيالموارد الرئيسة للمياه بالمنطقة العربية، وما يصل للدول العربية منها غير كاف ولا يلبي حاجة سكان المنطقة من الشرب والزراعة ، فماذا يحدث لو تم الاعتداء على هذه الموارد؟ سواء عن طريق تخفيض الحصص المائية او تغيير مسارات الأنهار او السيطرة عليها من بعض الدول المتغولة بالمنطقة بالرغم من وجود قوانين واتفاقات عالمية تنظم استغلال مياه الأنهار ، هذه الدول تري ان تعطيش العرب ومصادرة مواردهم المائية من أهم الأسلحة لإخضاع العرب وتغيير جغرافية المنطقة بالكامل، حيث ان زعزعة الأمن الغذائي والاقتصادي بصورة عامة والذى يرتبط ارتباطا وثيقاً بالأمن المائي هو ضربة قاتلة للأمن القومي العربي.
نهر النيل
نهر النيل هو أطول أنهار العالم تشترك فيه تسع (9 ) أفريقية دول كدول منبع ومصب، فدول المنبع وهي دول أفريقية هي أثيوبيا و كينيا و اوغندا و تنزانيا و رواندا و بوروندي و الكونغو ودول المصب وهما دولتا مصر والسودان العربيتان ، وهناك العديد من الاتفاقات الدولية التي نظمت العلاقة بين دول حوض النيل اولها برتكول روما عام 1881م واخرها أتفاق مصر والسودان وأثيوبيا عام 1993م. ويقطع نهر النيل حوالي 6700 كم ليصل الى ساحل رشيد على البحر المتوسط، ويبلغ نصيب مصر من مياهنهر النيل حوالى 55.5 مليار متر مكعب في السنة، بينما نصيب السودان حوالي 18.5 مليار متر مكعب في السنة، وهناك خطط وبرامج تقوم بها بعض الدول التي لديها نفوذ قوى في العالم وعلى رأسها إسرائيل والتي تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا، حيث تسعي إسرائيل للتضييق علي مصر والسودان وذلك بحرمانهما او تقليص حصتهما الحالية من مياه نهر النيل والتي لا تكفي ولا تلبي طموحاتهما، وبالمقابل تسعي هاتان الدولتان الى زيادة مشاريعهما والاستفادة بأقصى حد ممكن من مياه النيل المتدفقة عبر أراضيهما.
ومطامع اسرائيل في المياه العربية قديمة، ويظهر ذلك جليا في علم دولة إسرائيل المزعومة والذى يحتوي على خطين ازرقين يمثلان عند اليهود نهري النيل والفرات يمتدان طولياً اعلى وأسفل العلم، وكذلك المقولة اليهودية المشهورة دولة إسرائيل من الفرات الى النيل. و تسعيإسرائيل الى السيطرة على موارد المياه العربية بشتى السبل حيث سعت في الماضي الي تحويل مجرى النيل في أثيوبيا، وكذلك إنشاء قناة مائية تتفرع من النيل في الأراضي المصرية لتصل الى تل أبيب وبئر السبع بفلسطين المحتلة، وسعت حديثاً الي إنشاء سدود في دول المنبع وخاصة أثيوبيا لإنتاج الطاقة الكهربائية وهو مشروع مغر لدول المنبع الأفريقية وهو ما تحقق فعلياً حيث تم الشروع في انشاء سد أثيوبيا ووصل الإنجاز فيه الى نسبة عالية حيث تم البدء في تعبئة حوض السد بالمياه، وكل هذه المشروعات تمول من البنك الدولي برعاية اسرائيل والدول المساندة لها، ومشروع السد الأثيوبي لا شك انه سوف يخفض حصة مصر من مياه النيل الأمر الذي يعد تهديدا للأمن المائي والغذائي المصري.
وبالرغم انه في السنوات الأخيرة عقدت العديد من الاجتماعات بين دول المنبع ودول المصب بحوض النيل للوصول الى اتفاق يلبي احتياجات وحقوق دول المصب وهى مصر والسودان، حيث اقترحت مصر والسودان انشاء هيأة او مفوضية لإدارة الموضوع وايجاد الحلول المناسبةلتوزيع المياه مع عدم الأضرار بدول المصب، الا أن دول المنبع السبع رفضت ذلك ورأت ان من حقها انشاء سدود ومشروعات دون النظر الى ماتسببه تلك السدود من هبوط بمنسوب النيل وبالتالي خفض كمية المياه التيتصل الى دول المصبوالتي هي اصلاً غير كافية، وهذا بدوره يعتبر بداية لتجويع الشعب العربي في مصر والسودان، وقد هددت مصر سابقاً عندما اعلن السادات انه سيشن حرباً علي اثيوبيا وضرب هذه السدود اذا تم انشاؤها ، ولازال هذا الأمر قائما ولم يصل فيه الى اتفاقحتى الأن وينذر بحرب وشيكة الوقوع لان مصر لن ترضى بتعطيشها او استعمال المياه كورقة ضغط عليها لتحقيق مكاسب سياسية لصالح اسرائيل في المنطقة.
نهرا دجلة والفرات
دجلة والفرات هما المصدر الرئيس للمياه بكل من العراق وسوريا ويعتمدان عليهما اعتماداً كبيراً في الزراعة والتنمية بصورة عامة، وكلا هماينبعان من الجبال الواقعة شمال تركيا، حيث يمر نهر دجلة من تركيا الى العراق مباشرة، بينما نهر الفرات يصل الى العراق مرورا بسوريا. وتسعى تركيا فيما يعرف باسممشروع جنوب شرق الأناضول الى انشاء عدد اثنين وعشرين (22) سداً وعدد تسع عشرة (19) محطة توليد كهرباءعلى منابع المياه المغذية لنهر الفرات، نفذ اكبرها وهو سد اتاتورك عام 1990م، ويتوقع ان يتسبب هذا المشروع في انخفاض كبير جداً في معدل التدفق بالنهر مما سيكون له تأثيرات سلبية على قطاع الزراعة في سوريا والعراق، وقد بدا هذا الانخفاض بعد تشغيل سد أتاتوركعام 1990مبإيقاف مياه النهر لحوالي 30 يوماً لتعبئة السد مما دعا الى حدوث توتر في العلاقات بين تركيا من جهة وسوريا والعراق من جهة أخرى ، حيث قامت الأخيرتان بتقديم احتجاج شديد اللهجة واتهمت فيه تركيا بعدم احترامها للقوانين الدولية المنظمة لاستغلال مياه الأنهار. كما قامت سوريا سابقاً وقبل ذلك بسنوات عديدة في اواخر السبعيناتبإنشاء سدود على نهر الفرات ما اثر بدرجة كبيرة على العراق حتى كاد ان يسبب حرباً بين الدولتين في تلك الفترة.
وبالرغم ان تركيا قدمت مبررات ومقترحات لحل المشكلة وترى ان القوانين الدولية الخاصة بتوزيع المياه بين دول المنبع ودول المصب غير ملزمة لها من ناحية قانونية لعدم وضوحها. ولازال الوضع متوتراً بين تركيا وسوريا والعراق حول توزيع المياه وقد ينذر بحدوث صدام بين هذه الدول.
مصادر المياه بهضبة الجولان السورية
نظرا للموقع الجغرافي المهم لهضبة الجولان ولما تحويه من مصادر مائية مهمة فقد كانت هدفاً ومطمعاًلإسرائيل منذ احتلالها لفلسطين لعلمها ان من يتحكم في هضبة الجولان يتحكم في أحد اكبر مصادر المياه في المنطقة العربية التي تشمل مياه لبنان وفلسطين وسوريا الأردن.
وتعتبر هضبة الجولان او مرتفعات الجولان والتي يتجاوز ارتفاعها بصورة عامة الألف متر ويصل الى حوالى 1977متراً عن مستوى البحر في بعض المواقعهي المغذي الرئيس لنهر الأردن الذي يصب في البحر الميت والذى يبلغ طوله حوالي 251كم ويمثل الحدود الطبيعية بين فلسطين والأردن، وتغذي الهضبة نهر الأردن بواسطة مجموعة من الروافد النهرية وهي نهر الليطانيالقادم من لبنان ونهر بانياس القادم من سوريا ونهر اللدان القادم من شمال فلسطين، كما يتغذى نهر الأردن بمجموعة كبيرة من الأودية الموسمية تنحدر معظمها من سوريا والأردن وفلسطين، كذلك فان بحيرتي الحولة وطبرية هما النقطتان الرئيستان اللتان تتجمع بهما المياه المنحدرة من هذه الأودية والأنهار اثناء رحلنها الى البحر الميت.
وبعد ان استولت اسرائيل على هضبة الجولان خلال حرب 1967م أصبحت المنطقة محور صراع بين اسرائيل والعرب، وتسعى اسرائيل الى احكام سيطرتها على هضبة الجولان بشتى الطرق لأنها ترى ان مصيرها وبقاءها في المنطقة مرتبط بسيطرتها على موارد المياه بالمنطقة العربية بصورة عامة.وواقع الحال يقول ان اسرائيل لن تتنازل عن هضبة الجولان جزئياً او كلياًالا في حالتين، الأولى ان تخسر اسرائيل الحرب امام الدول العربية وهذا مستبعد علي الأقل في الزمن الحالي لتفوقها العسكري ولدعم بعض الدول الكبرى لها، والحالة الثانية وربما ترضى بها اسرائيل وهي ان تتنازل عنجزء من هضبة الجولان مقابل اعتراف العرب بإسرائيلوهو مالا يرضي معظم العرب والمسلمين، اذاًلا حلول ترضي الطرفين وسيستمر تعطيش وتجويع الشعوب العربية الى ان يقضي الله امراً كان مفعولا.
وعلي صعيد آخر فان بعض الدول تستغل موضوع المياه للضغط على بعض الدول الإسلامية لتغيير مواقفها من بعض القضايا الإسلامية، فقد صرح رئيس وزراء الهند نارندرا مودي خلال حفل تدشين مؤسسة العلوم الطبية بمدينة باثيندا خلال شهر نوفمبر 2016م ان كل قطرة من المياه سوف توقف عن الباكستان وهو ملتزم بذلك حسب قوله تجاه الفلاحين الهنود.ومن المعروف انه بناء على اتفاق عالمي مشترك بين الهند وباكستان وقعت عام 1960م تتشارك هاتان الدولتان الجاراتان النوويتان في المياه المتدفقة من 6 انهار هي نهر بييس ونهر رافى ونهر سوتليج ونهر اندوس ونهر شيناب ونهر جيلوم. وجاء تصريح رئيس الوزراء الهندي نتيجة التوتر الدائم بين البلدين الذى قد يؤدى الى نشوب حرب اخرى بينهما بسبب قضية إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة والتيلم تحل حتى الآن والتي تسببت في نشوب ثلاث حروب منذ انقسامهما الى دولتين عام 1947م اثنتان من هذه الحروب على قضية كشمير.
وبالمقابل جاء رد مستشار رئيس الوزراء الباكستانى للشئون الخارجية سارتاج عزيز بأن ما صرح به رئيس الوزراء الهندي سوف يؤخذ على أنه إعلان حرب وان الباكستان سوف ترد بما يلائم ذلك في حال قامت الهند بخرق الاتفاق المذكور، ومما زاد النار اشتعالاً تصريح رئيس وزراء الباكستاني نواز شريف ان الباكستان سوف تستمر في دعم كشمير الى ان تنال حريتها.
لذلك فان على الدول العربية والاسلامية السعي والوقوف لمنع هذه الاعتداءات الصارخة على حقوقها وحصصها من المياه، والا ستظل رهينة لهذه الدول المتغولة وتحت رحمتها، ولان البديل الآخر هو العطش والتجويع والبحث عن موارد مائية بديلة تستنزف الموارد والاموال ولا تلبي المطالب، لذلك فعلي الدول العربية والاسلامية القيام ببعض الخطوات الاستباقية لحدوث الحروب على موارد المياه هذه الخطوات ربما تضمن وقوف دول العالم من خلال الأمم المتحدة الى جانبها، وهذه الخطوات تتمثل في الاتي:
- انشاء هيأه إقليمية عالمية تضم ممثلين من جميع الدول العربية والإسلاميةوبالأخص الدول التي تتعرض مواردها المائية للانتهاك والاعتداء، وتتبع هذه الهيأة الأمم المتحدة ومهمتها متابعة الموارد والمصادر المائية واعداد الخطط والبرامج والندوات الإقليمية والعالمية لإظهار المشكلة للرأي العام وتوضح تأثيرها على السلم العالمي والضغط على الدول الكبرى للتدخل في حلها.
- السعي من خلال الأمم المتحدة لتقييم وتحديث الاتفاقات الدولية المنظمة لاستغلال المياه بحيث تضمن مشاركة عادلة دون تحكم وابتزاز.
• وضع خطط ومشروعاتاستثمارية مشتركة بين دول المنبع والمصب لتطوير استغلال المياه دون تدخل من أي دول إقليمية او دولية وذلك لبناء الثقة بين دول المنبع والمصب وبما يعود بالفائدة الاقتصادية علي هذه الدول.
اما ليبيا فهي الأكثر عطشاً وجفافاً في الوقت الحالي وهى المصنفة عالمياً من الدول الجافة وشبه الجافة، ويبلغ عدد سكان ليبيا نحو (6) ستة ملايين نسمة، ويتزايد السكان بمعدل نمو 3%، حيث يتوقع ان يصل سكان ليبيا الى أكثر من (8) ثمانية ملايين نسمة في عام 2030م. وتعتمد ليبيا اعتماداً شبه كلي على المياه الجوفية بنسبة تصل الى 97 %.
فحاجة ليبيا الفعلية من المياه حالياً حوالى (4) أربعة مليارات متر مكعب سنوياً اى حوالى (10)عشرة ملايين متر مكعب في اليوم ويفترض ان يسهم النهر الصناعي بحوالي (2) مليار متر مكعب في السنة أي حوالى (6.2) مليون متر مكعب في اليوم، الا ان الانتاجية تدنت الى أقل من النصف حيث أصبح الإنتاج الفعلي للنهر الصناعي حالياً حوالى (900) مليون متر مكعب في السنة اى حوالي (2.5) مليون متر مكعب في اليوم، وهذا نتيجة لعدم استكمال بعض أعمال المنظومات ولوجود بعض العراقيل التشغيلية التي تحول دون تشغيل المنظومات القائمة بالقدرة الكلية، وكل ذلكيرجع للظروف السياسية والاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد والتي ادت التي عرقلة نفاذ القانون رقم 10لسنة83م الخاص بتمويل جهاز النهر الصناعي ما سبب في نقص كبير في قطع الغيار والآليات ومعدات الصيانة وغيرها والتي اتلفت وسرقت معظمها إبان فبراير 2011م، كذلك فإن تردي الوضع الامني في الجنوب الليبي حيث مواقع حقول آبار النهر الصناعي بمناطق السرير وتازربووالحساونةأدى الى صعوبة القيام بأعمال الصيانة الدورية والوقائية وربما توقفها والتي تحتاجها مكونات منظومات المشروع.
ويفترض ان تسهم محطات تحلية مياه البحر بحوالي (180)مليون متر مكعب في السنة تنتج من 30 محطة بإنتاجيه تصميمية حوالى (0.5) مليون متر مكعب في اليوم، الا أن الإنتاج الفعلي المتاح من التحلية هو حوالى (130) الف متر مكعب في اليوم اى حوالي(47) مليون متر مكعب في السنة، اى ان التحلية في ليبيا تنتج حوالى ربع الإنتاجية التصميمية .
اما بالنسبة لمياه الأمطار المحجوزة خلف (16) سداً موزعة على طول الساحل الليبي من الشرق الى الغرب فتقدر بحوالي (80) مليون م3 في السنة من اجمالي السعة التخزينية لهذه السدود التي تقدر بحوالي (325) مليون متر مكعب في السنة. ويفترض ان تسهم محطات تنقية مياه الصرف الصحي بحوالي (140) مليون متر مكعب في السنة كطاقة تصميمية من (23)محطة، الا ان إسهامات التنقية في توفير المياه لا تذكر او شبه معدومة. وبعملية حسابية بسيطة يستثنى منها المياه المحجوزة خلف السدود على اعتبار انها لا تستغل بفاعلية ولا تسهم في حل أزمة المياه في ليبيا، لذلك فان المتاح من المياه في ليبيا هو حوالي مليار متر مكعب من المياه سنوياً أي ربع الكمية التي تغطي حاجة ليبيا من المياه.
ان الوضع الحالي للمياه في ليبيا يتطلب من الدولة الليبية حكومة ومؤسسات اتخاذ التدابير اللازمة لزيادة الكميات المتاحة من المياه لتغطية العجز الحالي والمستقبلي من المياه، وهذا يتطلب دعم الأجهزة والمؤسسات المنتجة للمياه وتذليل العراقيل التي تعوق انسيابية الاجراءات الادارية والماليةوتفعيل القوانين التي بنيت على اساسها هذه الأجهزة والمؤسسات. كذلك فان مؤسسات الدولة الفنية والبحثية والمتخصصة في الدراسات الهيدروجيولوجية والمياه بصورة عامة مطالبة بإجراء الدراساتالفنية والعلمية لتطوير صناعة تحلية المياه المالحة سواء مياه البحر او خزانات المياه الجوفية المالحة بمناطق الدواخل وذلك بالسعي لتخفيض تكلفتها وتخفيف تأثيرها البيئية ،حيث ان بعض مناطق الدواخل كالجغبوب والجفرة بحكم موقعها الجغرافي لا تصل اليها منظومات انابيب النهر الصناعي ولا تصل اليها مياه البحر المحلاة لبعدها عن الساحل الليبي.
كذلك يتطلب الأمر الاهتمام الشديد بصناعة تنقية مياه الصرف الصحي وتطويرها على غرار ما تقوم به حكومات بعض الدول الحكيمة التي تعاني من نقص الموارد المائية، حيث ان الاهتمام بهذه الصناعة سيودى الى استرجاع كميات كبيرة من المياه تذهب هدراً ناهيك عما تسببه من مشاكل بيئية واضراراً جسيمة بالبني التحتية للمدن، فمشروع النهر الصناعي الذى ينتج في الوقت الحالي حوالى ( 2 ) مليون متر مكعب من المياه يوميا من جميع منظوماته والتي تغطي حوالي 80% من الساحل الليبي لا يسترجع منها شيء يمكن ذكره وانما تذهب جل هذه المياه الى خزانات الصرف الصحي البدائية او تنقل عبر انابيب الصرف الصحي الى شاطئ البحر دون تنقية . ان الاهتمام بصناعة تنقية مياه الصرف الصحي واستخدامها على الأقل في مجال الزراعة لاشك انه سيغير وجوه مدننا الشاحبة الكئيبة الى لون الاخضرارالنابض بالحياة، هذا اللون الذي يساعد بحسب الدراسات على الهدوء والسكينة الاستقرار ويحفز على التفكير والابتكار والأبداع.
———–
المراجع:
1. د.هيفاء عبد الرحمن ياسين التكريتي، كلية القانون جامعة تكريت. أزمة المياه الوطن العربي واقعها وأستخدامها ودوافعها والروئة المستقبلية لمواجهة الأزمة.
2. الأمن المائي العربي ومسألة المياه في الوطن العربي ( دراسة أقتصادية واحصائية سكانية وسياسية لواقع تطور مسأة المياه وأفاقها في الوطن العربي وانعكاساتها على الأمن المائي العربي ) د.عدنان عباس حميدان ، د.خلف مطر الجراد، كلية الأقتصاد جامعة دمشق.
3. القانون الدولي للمياه والأتفاقيات الدولية.
4. د.خليل خير الله ، الصراع علي المياه في الشرق الأوسط، المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية.
5. د. رمزي سلامة ،مشكلة المياه في الوطن العربي- احتمالات الصراع والتسوية. منشأة المعارف بالأسكندرية2001م.